إن إدارة المعهد الاعلى للقضاء وهي تتابع باستياء ما تبثه بعض القنوات التلفزية ووسائل اعلام أخرى من تصريحات غير مسؤولة ماسة بالقضاء ومشوّهة للقضاة والتي تمادت حتى طالت مؤسسة المعهد الاعلى للقضاء. اذ تعددت الاصوات بين داع لإنهاء وجود هذه المؤسسة ومتهم إياها بالعمل على تخريج قضاة مهزومين فاقدي الاستقلالية وموالين للسلطة التنفيذية. فإنها ترى بأن الأمر يحتاج الى توضيح في المسائل التالية: إن مؤسسة المعهد الاعلى للقضاء هي مؤسسة تكوين لها الشخصية المدنية والاستقلال المالي بصريح قانونها المنظم لنشاطها (قانون 11 أوت 1985) وهو يهدف الى: 1 تكوين القضاة : تكوين الملحقين القضائيين تكوينا نظريا وعمليا يؤهلهم لممارسة القضاء. استكمال خبرة القضاة المباشرين وهم القضاة الذين لم يتجاوزوا مدة ستة أعوام من عمل القضاء الفعلي. 2 تكوين أعوان كتابات المحاكم ومساعدي القضاء. 3 تكوين مساعدي القضاء من عدول تنفيذ وعدول اشهاد وخبراء عدليين ومترجمين ملحقين وغيرهم ممن تستوجب مهامهم القيام بنشاطات قضائية او قانونية سواء كانوا تابعين لوزارة العدل او لوزارة أخرى. 4 تكوين اطارات قضائية من بلدان شقيقة وصديقة في نطاق التعاون الدولي. وهذا التكوين يتم وفق برامج علمية ومناهج تربوية محددة بنصوص قانونية يعلمها الجميع ولا مجال فيها للتأثير على وجدان القاضي واستقلالية ارادته. ثانيا : وهنا يجدر التذكير بأن الاطار المدرس بالمعهد الاعلى للقضاء موزع بين جميع أهل الاختصاص القانوني من أساتذة جامعيين ومحامين وقضاة وأطباء ومهندسين وغيرهم من ذوي الكفاءات في المعارف المتاخمة والمكمّلة للمعارف القانونية. كما ان الملحقين القضائيين يقضون كامل السنة الثانية تقريبا من فترة تدريبهم بالمعهد في المحاكم حيث يباشرون مختلف الاعمال المقرر لهم في المستقبل تحت أنظار قضاة متمرّسين ومتخصصين في مجالاتهم. وينهون دراساتهم بإعداد مذكرات بحث في مسائل قانونية دقيقة تحت اشراف مؤطرين أكفاء ومكتبات المعهد وكليات الحقوق تزخر بهذه المؤلفات وتشهد بالقيمة العلمية العالية لها وهي مراجع ومصادر للطلبة والباحثين بهذه الكليات والمعاهد. ثالثا : إن المعهد الاعلى للقضاء يفخر بالكفاءات التي تخرجت منه من قضاة وعدول تنفيذ وعدول إشهاد ومترجمين محلفين وأعوان كتابات الحاكم، ويفاخر بكفاءاتهم المشهودة فيما هم مختصون فيه وذلك بشهادة جميع المتعاملين معهم. رابعا : إن مسألة استقلالية القضاء ليست مادة تدرّس وانما هي قناعة فكرية وإرادة حرة متجذرة في القلب، والقضاة متشبّعون بثقافة الاستقلالية سواء أثناء دراستهم الجامعية او عند تكوينهم بالمعهد الاعلى للقضاء وأثناء مباشرتهم لمهامهم. وقد نزّلت هذه الثقافة القضاء منزلة السلطة كما ناضل القضاة منذ عقود من اجل تحويل هذه القناعة الى حقيقة في الواقع والنصوص الدستورية والقانونية ولا يزالون، وإن خروج قلة قليلة عن هذه المبادئ والقيم لا يجوز ان يعمم على سائر أعضاء السلطة القضائية. وها هي الثورة جاءت لتمنح فرصة لتحقيق هذا الحلم، الا ان بعض المغرضين قادوا حملة تشويه تمسّ بنزاهة القضاة وتشكك في كفاءاتهم كما تتهم المعهد بالترويج لواقع الولاء والمهادنة للسلطة التنفيذية. خامسا : إن المناداة بإلغاء مؤسسة المعهد الاعلى للقضاء هي دعوة عبثية ومزايدة مجانية تنم عن جهل بالدور الذي تلعبه هذه المؤسسة والهادف أساسا الى امداد مرفق العدالة بكفاءات وخبرات ترفع أداءه الى مستوى تطلعات الشعب في عدالة ناجزة ناطقة بالحق صادحة به. سادسا : إن هذه الحملة التي استهدفت القضاة بالجملة في أدائهم وشككت في كفاءاتهم ومسّت بشرفهم المهني وبالمؤسسات المنتسبين لها ليس لها من أثر مباشر غير ارهاب القضاة وتخوينهم وتخويفهم وهو أمر أخطر على استقلاليتهم مما يلوح به. كما أنه عمل يهدف الى تهميشهم وتغييبهم عن معالجة الملفات الأساسية المفتوحة بعد الثورة. سابعا : ان المرحلة القادمة هي مرحلة المحاسبة على الاخطاء وارجاع الحقوق المسلوبة الى أصحابها، ولا يضمن ذلك الا جهاز قضائي مستقل يتنفس هواء الحرية ويتحرر من كل العوائق التي تعيق حركته بما في ذلك تلك التي تشكك في كفاءته ونزاهته. ولا يختلف اثنان في ان ما يروّج الآن ضد القضاء لا يوفر هذا المناخ النفسي لعمل قضائي راشد ومتجذر في النصوص والضمائر حتى تؤدي السلطة القضائية مهامها ورسالتها على الوجه الاكمل. مدير الدراسات: عبد الستار بن عمار المديرة العامة للمعهد الأعلى للقضاء: بية بن فقيه مدير التكوين المستمر :