يعرض منذ يوم 18 فيفري الجاري وإلى غاية 6 مارس الفنّان التشكيلي الطّاهر عويدة في رواق سامية عاشور بسكرة بعد غياب طويل عن الأروقة التونسية . هذا المعرض كان سيفتتح يوم 14 جانفي لكنّ تمّ تأجيله بعد انتصار الثورة التونسية في تغيير رأس السّلطة، عن هذه المصادفة وعودته الى العرض التقت «الشروق»الطّاهر عويدة في هذا الحوار . ماذا يمثّل هذا المعرض بالنسبة اليك ؟ معرضي هذا يمثّل العودة بمفهومها المعنوي حيث أصافح من خلاله الجمهور ومحبّي الفن التشكيلي بعد مغامرة فنيّة خارج حدود الوطن تضمّنت سلسلة من المعارض على مدى عشرية كاملة بعديد الأروقة والفضاءات الثقافية في مختلف المدن الأوروبية وهذا المعرض أعتبره منعرجا في مسيرتي الفنية لتزامنه مع الثورة المباركة , افتتاح المعرض كان يوم 14 جانفي كيف ترى هذه المصادفة؟ عنوان المعرض «دخول حر» وكان من المفروض افتتاحه يوم 14 جانفي وهذا الشّهر يرتبط في ذاكرتي بأحداث لها عظيم الأثر على حياتي كفنّان وإنسان فأنا من مواليد هذا الشّهر الذي لم أتجاوز فيه حزني العميق لفقدان والدتي أواخر جانفي 2005 الاّ بقيام الثورة لا مجال للصدفة في تاريخ هذا المعرض أو اختيار عنوانه بل أرى في ذلك تأكيدا بأن صدق الحدس والاحساس المرهف لدى الفنان عامّة هما اللذان يجعلانه في تفاعل وتناغم مستمرين مع ذاته ومحيطه وهنا أنا لا أدّعي النبوءة بل أنبّه أن الصّدق في التعبير هو الشّرط الأوّل لنجاح العمل الفني. ماذا تغيّر في الطّاهر عويدة بعد 14 جانفي؟ مكنتني الثورة من إعادة اكتشاف الذات في الزمان والمكان فعلى غير عادتي وقبيل الثورة كنت أرتاد وسط العاصمة يوميا في السّاعات الأولى من الصباح الباكر وبداخلي أساس غريب بأن الأشياء على غير عادتها .ولن أنسى صبيحة 14 جانفي وقبل طلوع الشمس بقليل أعترضني الشاعر أولاد أحمد فصافحني وقلت له مداعبا «يا صغير إني أرى البلاد كما لم يرها أحد»فابتسم في صمت ومضى وما لبث أن هبّ ذلك الطوفان البشري الرائع الذي حرّر البلاد وما فيها من شجر ومن حجر وبشر وبحر وبر... هل ألهمتك الثورة بعمل فنيّ؟ أنا لم أنتظر الثورة لأنجز عملي الفني أو لأصبح فنّانا، ظللت في حالة دائمة من الانفعال والتفاعل مع الشّارع في حالة ملاحظة بعين حالمة وأخرى متحفّظة وفزعة أحيانا ان لم أقل خائفة . الفنان يولد وبداخله جذور الثورة الدّائمة المستمرة التي تجعله في حالة بحث وتجدّد دائمين .أنا لست تاجرا ولا أملك أدوات ردود الفعل الآنية فالثورة ليست موضة أو حدثا يسهل امتصاصه بل من المؤكّد أنها ستخلق آجلا أو عاجلا ظاهرة «أدب الثورة» و«فن الثورة» وسوف تفرز تغييرا نوعيا ليس في المشهد السياسي فقط بل في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي الثقافية والفنيّة . ولا أخفي تفاؤلي بأنّها ستكون حافزا للخروج من أزمة الابداع في تونس وكذلك في غيرها من بلاد العرب انعكاسا لرياح التغيير التي تهبّ على هذه البلدان، أعود الى الاجابة عن السؤال وأؤكّد ما ذكرته فبالنظر الى لوحة «باب الحياة» وكذلك لوحة «الى النور..» المجسّدة لبيت شاعر تونس الخالد الشابي نجد أن في مضمونها تعبيرا عن روح الثورة لكنّهما أنجزتا قبل 14 جانفي . هناك بعض التجاوزات التي ارتكبت بعد 14 جانفي تشعرنا بالخوف من المستقبل، كيف ترى المستقبل ؟ للاجابة عن هذا السؤال أعود الى بيت الشابي «الى النور فالنور عذب جميل» فلا خوف الاّ من الظلام ومن الذين يتستّرون بظلمة الليل لتعكير صفو هذا الشعب المسالم وفرحه بإنجازه العظيم . ما حدث من فوضى شيء طبيعي في حالات الحرية وسينتصر الشعب التونسي وسيبني نظاما قائما على الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .