يعد الفنان الطاهر عويدة واحدا من ابرز الفنانين التشكيليين الذين اغرموا بالبيئة وقدموا تجارب مهمة، آخرها توظيفه للأبواب القديمة باستخدام سور من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والأبيات الشعرية والأقوال المأثورة. سعى الفنان التشكيلي طاهر عويدة على امتداد 18 سنة الى ايجاد لغة فنية خاصة به تواصل فيها مع بيئته المحلية اذ أن عينيه رأت النور في محيط أهله وهم فنانون بالفطرة في طريقة عيشهم ولباسهم ومعمارهم، فكتب اسمه بأحرف من نور وشد الرحال عديد المرات الى عاصمة النور وكانت أول رحلة له الى فرنسا سنة 2001 ثم تلتها مشاركات فنية في مختلف المدن الاوروبية منها سويسرا وايطاليا وقدم عديد المعارض فكان سفيرا للألوان التونسية هذا اللقب الذي منحته اياه احدى الشخصيات الثقافية المرموقة بباريس كان خير محفز لاستمراره في تطوير موهبته ورؤيته الفنية واستخدامها في تشكيل لغوي فغالبا ما نرى لوحات هذا الفنان تحمل أحرفا ومقولات في توظيفه للخط العربي في لوحاته لمقاصد جمالية بالأساس. وهذا التشكيل الفني اللغوي يجعل من فضاء اللوحة أفقا لا حدود له وأثناء اقامته لأحد معارضه بسويسرا سنة 2005 كتب احد النقاد الزائرين للمعرض كلمات بدفتر الملاحظات قائلا «حين يلتقي الرسم بالخط يكون الزواج بينهما سعيدا فالفن بحر لا شاطئ له»، هذه الرؤى الانسانية متعددة الاتجاهات والجوانب وهذا التفاعل مع القضايا البيئية التي تؤرق المجتمع كل ذلك نجده في أعمال عويدة التي أسهم من خلالها في اثراء الوجدان الانساني بمواضيع تحتاج من الذهن اليقظة نتيجة لما تتمتع به لوحاته من مغامرة بصرية يعيشها كل متلق بمجرد التمعن في تفاصيلها والدخول في عوالمها الفنية المفعمة بالحيوية، فلوحة ألف ليلة وليلة وذاكرة المتوسط وأنشودة الحياة تبدو متألقة وعبقة بدلالات التشكيلية المتنوعة في روحها ومضامينها، هذا التألق أسهمت في توهجه الألوان التي غلب عليها اللون البني الصحراوي وتقاطع الأشكال بعضها ببعض، فيما كانت اللوحة: ثواني ونداء جذور، وبلا حدود متضامنة مع روح الانسان في مراحله الحياتية وبدت متجددة متوهجة الألوان كتوهج المواضيع التي احتوتها. قد لا يذهب البعض مع وجهة نظر الفنان عويدة في تسمية لوحاته باعتبار أن الفنان التشكيلي لا يجب أن يضع قيودا من كلمات على مخيلة المتلقي فالمتلقي يحبذ دائما أن يكون له منظور خاص في المشاهدة والتفسير ليكون شريكا في تلك اللوحة وبالتالي عدم عنونة اللوحات تدفع هذا المتلقي وتحثه على طرح الأسئلة وفك طلاسم تلك اللوحة والعنونة يمكن ان تكشف الأسرار الجمالية للعمل الفني، لكن هذا الفنان يعتقد أن التسمية أو العنونة هي عتبة مهمة لولوج عالم اللوحة في جانب آخر يركز عويدة على بيئته المحلية باعتبار أن البيئة هي اليوم هاجس الانسانية الأول ومن شرط استمرارية الكون وبالتالي استمرارية الابداع الانساني في هذا الجانب انتقل من رسم الطبيعة الى فن التجريد فوجد فيه ضالته وبعد أن شكلت المنسوجات اليدوية حضورا مهما في لوحاته ها هو اليوم يوظف الأبواب القديمة ويطوعها كمحامل للوحاته فكان التوظيف محكما اذ حولها الى أعمال فنية ذات أبعاد جمالية اضافة الى ما احتوته من رسالة فنية أراد تبليغها وبالتالي دعا الى الحفاظ على تراث المدينة هذا التراث الزاخر بكل ما هو مدهش ومحفز لمخيلة أي فنان، فقد يتطلب انجاز لوحة على باب قديم عدة أشهر يكون خلالها عويدة كمن يجلس على قمة جبل ليتأمل الأشياء من حوله وليجعل ذلك الباب القديم كفضاء، أو ليدلنا بأن التاريخ شاهد على من مروا من هذا الباب أو ذاك، فلم يكن في أعماله عبثيا يبني لوحته من هذا الباب أو من باب الصدفة بل كان من المدركين لعمله ونصه ولونه حتى يصل بقوة الى الناس وبالتالي لا يلغيه الزمن بل يبقى في حالة متجددة كلما تأملنا في عمل جديد له.