عانى الفن التشكيلي التونسي على مدى سنوات من التهميش مقارنة ببعض الفنون الأخرى حيث اضطر بعض الفنانين خاصة منهم الشبان إلى التعويل على الذات من أجل توصيل أفكارهم التي يعبرون عنها بسلاح الريشة والألوان وكثيرا ما اضطرت الظروف العديد منهم إلى عدم عرض ما يرسمونه لعدم توفر التشجيعات رغم طرقهم لعديد الأبواب ومحاولتهم إيجاد موضع قدم لمهاراتهم على خارطة الفن التشكيلي في بلادنا... لكن الثورة حررت من جملة ما حررت أيادي التشكيليين التي كانت شبه مكبلة وفيما عصفت الأحداث التي تلت الإطاحة بحكم الرئيس المخلوع ببعض الفنون الأخرى إلا أنها كانت حافزا لممتهني الفن التشكيلي للبروز على الساحة الفنية حيث وفضلا عن المعارض التي أقيمت هنا وهناك واستلهمت لوحاتها من روح الثورة اتخذ البعض من جدران البلاد مكانا للتعبير من خلال رسومات متعددة الأشكال والمعاني عن كل ما يعتمر بأنفسهم من تعبيرات بعد كبت فني استمر لفترة طويلة. اليوم تعيش بلادنا سواء في العاصمة أوداخل الجمهورية على وقع معارض تشكيلية تنبع مكوناتها من روح الانتفاضة الشعبية حيث شهدت ولاية المهدية الأحد الماضي حدثا فنيا مميزا تمثل في إنجاز جدارية فنية جماعية يمتد طولها 10 أمتار سيقع تثبيتها لاحقا على واجهة المتحف الجهوي بالمهدية..ذات الولاية تعرف منذ 5 مارس وإلى غاية 13 منه معرضا جماعيا لرسوم زيتية وصور فوتوغرافية تؤرخ فنيا للحدث التاريخي الذي تعيش على وقعه تونس منذ 14 جانفي 2011 أما في العاصمة فتشهد عديد الفضاءات والأروقة حركية كبيرة ومعارض إن اختلفت عناوينها إلا أنها تجتمع في نقطة واحدة وهي التعبير بحرية لم يعهدها بعض التشكيليين قبلا عن مكنونات تفتح ذراعيها للناظر ليتتبع معانيها ومقاصدها من خلال مساحات من الألوان والأشكال هي في الأصل لغة بصرية تتكلم عن الحدث العظيم الذي عرفته تونس قبل ما يزيد عن الشهر ونصف الشهر... هي عناوين اختارها أصحاب تلك المعارض حتما عن قصد كأداة تعبيرية ثورية تلتقي عبر محتويات اللوحات المعروضة مع ما عاشه كل تونسي بعد انهيار النظام البائد.. «وجها لوجه» لأحمد الزلفاني و»دخول حر» للطاهر عويدة و»وجوه تونسية» للإيطالي المقيم بتونس مانويل مافيولي و»في زمن الثورة» لحميد الدين بوعلي و»لعنة الكرسي» لأمال زعيم رسائل تشكيلية تتبين خصوصياتها من عناوينها. قد تكون تلك المعارض إلى جانب التحركات المسرحية والموسيقية والسينمائية الآخذة في التكاثر يوما بعد آخر أول غيث الحالة الإبداعية لما بعد الثورة التونسية فالغد سيحمل بلا ريب معارض وأغان ومسرحيات وأفلام وقصائد وروايات جديدة ستظهر لتعبر عن أن هذا الشعب ولد ليعيش وينتصر ويبدع.