نشرت صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» الروسية أمس مقالة للمحلل السياسي سيرغي كورغينيان قال فيها، إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقود مخططا يهدف إلى تقسيم العالم، وما حدث في تونس ومصر ما هو إلا جزء من لعبة كبيرة. المرحلة الأولى منها بدأت بتفكيك الاتحاد السوفيتي من خلال سياسة إعادة البناء «البيريسترويكا» التي قادها الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف وفتحت الباب أمام إعادة رسم خريطة أوروبا. وكان العنوان الأبرز لهذه المرحلة سقوط جدار برلين. ويرى كورغينيان أن ما قاله الرئيس أوباما، من أن التغيير الذي حصل في مصر يوازي بأهميته سقوط جدار برلين يؤكد أننا نعيش اليوم المرحلة الثانية من اللعبة الكونية. ويوضح كورغينيان أن المرحلة الحالية طغت على ما سبقها من مشاريع جرى الترويج لها على نطاق واسع، وكان الهدف منها إشاعة بعض قيم العدالة. من أبرز هذه المشاريع المشروع الذي عرف باسم «موديرن»، الذي انتهى به الأمر إلى سلة المهملات. علما بأن فكرة «موديرن» كانت قد ظهرت في منتصف القرن السادس عشر، في الفترة التي أعقبت الثورة الفرنسية الكبرى. وتقوم فكرة هذا المشروع على أساس الإقرار بحق كل شعوب العالم في التطور وبلوغ مستوى الشعوب الأخرى المتقدمة. أما الخطة التي تنفذها الولاياتالمتحدة هذه الأيام، فمختلفة تماما عن مشروع «موديرن» من حيث منطلقاتها. لأنها تجعل الأمور تبدو وكأن البشرية المعاصرة مقسومة إلى قسمين الأول: دخَل عصرَ الحضارة والحداثة والتقدم، ثم أوصد الباب خلفه في وجه بقية الشعوب، تاركا إياها تتخبط في مستنقع الفقر والتخلف وفق ما نشره أمس موقع قناة روسيا اليوم الالكتروني. ويعبر كورغينيان عن ثقته بأن الولاياتالمتحدة تستعين بعناصر تابعة لها لتأجيج الشوارع في مصر وتونس وغيرهما من بلدان الشرق الأوسط. وهذه العناصر على صلة وثيقة بما يسمى ب«الخلايا الإسلامية النائمة». مؤكد أن جون برينان النائب السابق لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الذي يعمل حاليا مستشارا للرئيس الأمريكي لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، هو الذي يسهر على تأجيج نيران الاضطرابات في المنطقة. وبالإضافة إلى برينان ثمة مجموعات مختلفة كبيرة ومؤثرة، تقف خلفه وتدعم جهوده. ومن أهم هذه المجموعات الجماعات المتعددة الجنسيات التي تمتهن تجارة السلاح والمخدرات. ففي أفغانستان على سبيل المثال تضاعف إنتاج الهيروين منذ دخول القوات الأمريكية إلى ذلك البلد، بنحو ثلاثين ضعفا. علما بأن الوسلية المفضلة المتداولة في تجارة المخدرات ليست النقود، بل السلاح. أي أن المخدرات يجري مقايضتها بالسلاح. والسلاح يصبح حاجة لاغنى عنها في أوقات النزاعات، وبعد توفر عنصر السلاح تظهر الحاجة لخدمات الإرهابيين، التي باتت تحظى بطلب كبير منذ خمسينيات القرن الماضي. ولقد نشطت في تجنيد الإرهابيين وتدربيهم نخبة من عناصر الاستخبارات. ومن أبرز هذه الوجوه تيد شيكلي الذي كان موظفا ساميا في وكالة المخابرات المركزية متخصصا في تمويل أنشطة العملاء السريين، والذي جند ودرب عددا كبيرا من الإرهابيين المحترفين في دول جنوب شرق آسيا. وفي وقت لاحق بدأ «طلاب» شيكلي يمارسون أنشطتهم الإرهابية بشكل مستقل ويعملون لحسابهم الخاص بالإضافة إلى عملهم لصالح الولاياتالمتحدة. وبحسب تقديرات كورغينيان فإن قيمة «الخدمات» التي تقدمها المجموعات الإرهابية المتعددة الجنسيات تقدر بتريليون دولار. ويلفت كورغينيان إلى أنه بينما كان الاتحاد السوفيتي السابق يقيم علاقات تعاون قوية مع بعض الدول العربية، كانت الولاياتالمتحدة تحتاج إلى إسرائيل وتعتبرها بمثابة حاملة طائرات أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، تستطيع (الولاياتالمتحدة) أن تحركها عندما تستدعي الحاجة ذلك. لكن بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، أصبحت إسرائيل تشكل عبئا ثقيلا على الولاياتالمتحدة، التي تقتضي مصلحتها، في المرحلة الراهنة، توطيد علاقاتها بالإسلاميين للمضي قدما في تنفيذ مخططاتها الكونية. ويقول كورغينيان إن الساسة الأمريكيين يقولون بكل صراحة في جلساتهم المغلقة إن ما يدعيه اليهود الأمريكيون من تعلقهم بما يسمونها ب «أرض الميعاد»، مبالغ فيه بشكل كبير. ويرى الكثير من الساسة الأمريكيين أن وجود إسرائيل، بات يعيق إحكام الولاياتالمتحدة سيطرتها على العالم. ولهذا يخضع أوباما حاليا لضغوط كبيرة، من قبل راسمي السياسات الاستراتيجية في واشنطن، لكي يمارس مزيدا من الضغوط على إسرائيل من أجل ارضاء العرب. وليس من المستبعد أن تقدم الولاياتالمتحدة، في وقت لاحق، على التضحية بإسرائيل خدمة لأهدافها بعيدة المدى.