لا يخفى على الجميع انه طيلة 23 سنة من الفراغ السياسي لعبت المحاماة دورها الريادي في الدفاع عن الحقوقيين والمناضلين والمعارضين لأن نظام بن علي همش الاحزاب وطاردها وقمع الرأي المخالف فكانت المحاماة المتنفس الوحيد للحريات والملجأ الأخير للمظلومين والمقهورين وقد عجز النظام السابق عن تدجين وترويض قطاع المحاماة والسيطرة عليه رغم المحاولات والاختراقات العديدة. وقد بلغ الدور الذي لعبته المحاماة أوجه عندما أخذ على عاتقه مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بقيادة العميد صحبة أطراف وطنية أخرى مساندة الثورة وتأطيرها والعمل على حمايتها ومواكبتها حتى لا تحيد عن أهدافها وهذا الدور سيكتبه تاريخ المحاماة وتاريخ البلاد بأحرف من ذهب، لكن هنالك مسؤوليات أخرى ملقاة على السيد العميد وأعضاء الهيئة الوطنية للمحامين لا يجب ان تغيب عن أذهانهم في هذا الظرف والتي تعتبر بمثابة الثورة بالنسبة الى قطاع المحاماة، وكما أبلوا البلاء الحسن قبل وأثناء الثورة وبعدها لإنجاحها وحمايتها فإننا نلتمس منهم أيضا انجاح الثورة الداخلية لقطاع المحاماة والتي يمكن اختزالها في ثلاث نقاط وهي: 1 تمرير مشروع قانون المحاماة الى وزارة العدل 2 العمل على تفعيل الفصل 32 من القانون الأساسي للقضاة وذلك بإلحاق بعض المحامين من ذوي الكفاءة والسلوك الحسن بسلك القضاة. 3 العمل على استخلاص كامل معاليم تانبر المحاماة لفائدة المحامين. ان تمرير مشروع قانون المحاماة اصبح مسألة مصيرية وحياتية بالنسبة الى سلك المحاماة فهذا المشروع سهرت على إعداده ليلا ونهارا وحتى في ليالي رمضان والصيف نخبة من الزملاء المحامين بمن فيهم السيد وزير العدل حاليا الأستاذ الأزهر القروي الشابي، وقد أقرت اللجنة المكلفة بإعداده مشروعا متكاملا ويفتح خاصة مجالات عمل كثيرة كانت مغتصبة من المحامين لفائدة منافسين غير شرعيين، فإن المصادقة على هذا القانون فإنه سيردّ الاعتبار للمحامين والمحاماة ماديا ومعنويا لذلك فإنه من المهم ان تعمل الهيئة الوطنية على تمرير هذا المشروع في أقرب فرصة الى وزارة العدل خاصة أنها هي من سعت الى إحداث لجنة إعداد قانون المحاماة وقد كان ذلك أحد نقاط البرنامج الانتخابي للعميد الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني الذي سعى جاهدا الى تحقيقه. أما المسألة الثانية والتي من شأنها انجاح الثورة في قطاع المحاماة والقضاء على حد السواء فتتمثل في العمل على تفعيل العمل بإحكام الفصل 32 من القانون الأساسي للقضاة والذي يمكن المحامين من الالتحاق بسلك القضاء اذ اقتضى الفصل المذكور انه: «يمكن ان يعين في اي رتبة من رتب السلك القضائي ودون مناظرة مفتوحة. أولا: الأساتذة والمكلفون بالتدريس بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية وبالمدرسة العليا للحقوق. ثانيا: المحامون الذين قضوا في مباشرة المهنة مدة عشر سنوات على الاقل بما في ذلك مدة التربص. وتضبط بقرار من وزير العدل طرق تطبيق هذا الفصل». وهذا من منطلق المعاملة بالمثل اذ كانت المحاماة ولا تزال فاتحة أبوابها للسادة القضاة لا بالنسبة الى المتقاعدين منهم فحسب وأيضا بالنسبة الى الشباب القضاة الذين ناضلوا على استقلالية القضاء فاضطروا طوعا وغصبا على مغادرة القضاء، هذا فضلا على أن هنالك حاجة ملحّة لتطعيم القضاء بدم جديد اذ وقع عزل العديد من القضاة كما وقع تجميد عدد آخر إضافة الى الاعداد الأخرى التي ستعزل آجلا أم عاجلا لأسباب يعلمها الجميع تضاف اليها مجموعة أخرى سيتم إحالتها على التقاعد، وهذا العدد الكبير من القضاة الذين سيغادرون سلكهم لا يمكن تعويضهم بين عشية وضحاها، لذلك فإن يمكن تفعيل أحكام الفصل 32 المذكور ومطالبة وزارة العدل بإصدار قرار تطبيق هذا الفصل للعمل على إلحاق المحامين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة بسلك القضاء قصد ادخال نفس آخر ورؤية جديدة على سلك القضاء، وليس في هذا الطلب بدعة اذ يذكر التاريخ انه تم العمل بهذه التجربة إبان فترة الاستقلال اذ التحق عدة محامين بالقضاء ونجحوا بامتياز ونذكر منهم على سبيل المثال المرحوم الطيب بسيس ومحمد الطاهر السلطاني وغيرهما. أما المسألة الثالثة والأخيرة فهي تتعلق بتانبر المحاماة اذ تقدر مداخيله بالمليارات بالنظر الى الاحصائيات الرسمية لوزارة العدل المدلى بها في مفتتح السنة القضائية الا ان الهيئة الوطنية للمحامين لا تتحصل الا على نسبة ضئيلة من مداخيله تقدر ب 12٪ والبقية لا نعلم مصيرها، فلو يتم العمل على تحويل كل المداخيل او الجزء الأكبر منها الى الهيئة الوطنية فإن ذلك سيفضي الى تحقيق ثلاثة أهداف مهمة أولها الترفيع في منحة التقاعد وهو ما من شأنه ان يحفز الكثير من الزملاء الذين توفرت فيهم شروط التقاعد والذين بذلوا مجهودات كبيرة في خدمة المهنة على طلب الخروج الى التقاعد مع ضمان مستوى عيش محترم يليق بالمحامي وهو ما سيفتح في نفس الوقت آفاقا للمحامين الشبان. أما ثاني الأهداف فهو توفير المكتب اللائق لكل محام يفتح مكتب لأول مرة عبر منحة تغطي مصاريف تجهيز المكتب ودفع كرائه او مساعدته على شرائه، في حين أن الهدف الثالث يتمثل في ضمان الاستقلالية والاستقرار المالي للمحامين الملتحقين بالمعهد الأعلى للمحاماة لأنهم زملاء المستقبل والمحامين المتمرنين طيلة مدة التمرين عبر تمكينهم من منحة محترمة تصرف لهم وتمكنهم من مجابهة الصعوبات المالية التي تعترضهم في سنواتهم الأولى في المحاماة وهو ما سيمكن في نفس الوقت من الحدّ من ظاهرة السمسرة وأجور المحاماة المتدنية. سدي العميد وأعضاء الهيئة الوطنية أرجو ان تجد هذه المقترحات تجاوبا من طرفكم خاصة انه ستمر حوالي سنة من انتخابكم لتمثيل المهنة وقد وعدتم في حملتكم بتحقيق الكثير من هذه الأهداف وأن الوقت مناسب الآن لتلبية وتحقيق مطالب المحامين وهو ما صرّح به العميد فعلا في أكثر من مناسبة في الأيام الساخنة للثورة عندما صرح بأنه ليس بحزب سياسي وأنه لا يهمه الا مساعدة إطعام 5000 محام محتاج. فما رأي السيد العميد وأعضاء الهيئة الوطنية للمحامين؟ ٭ الأستاذ صبري بن سلامة