تحولت الجدران في مختلف الأنهج والشوارع والمحطات وعربات المترو الى ما يشبه المدونات يتم فيها التعبير عن الآراء والأفكار من قبيل «يسقط التجمع» أو «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق» وشعار«الشعب يريد إسقاط النظام» و«لن ننساكم أيها الشهداء» و«تحيا الثورة» و«تونس حرة» فكيف يفسر الأخصائيون في علم الاجتماع هذه الظاهرة? وألا يمكن اعتبار الكتابة على الجدران تخريبا وتعديا على ممتلكات الغير?. اجابة عن هذه الأسئلة يؤكد الدكتور الحبيب الدرويش الأخصائي في علم الاجتماع أن الكتابة على الجدران تنشأ في ظل مناخ القمع والإستبداد والنظام الديكتاتوري الذي يحظر التعبير عن الآراء ويصادر الحريات فيحاول الفرد استراق الفضاء العام في فترات زمنية محددة مثل الليل لصباغة شعاراته وإيصال أفكارها وما يحصل في تونس بعد الثورة المجيدة تجاوز مرحلة الإستراق للخطة الى نوع من التصعيد والتعبير عن الكبت السياسي والقهر الخطاب الأحادي الجانب الذي بقي جاثما على الصدور لسنوات طويلة ويضيف:«إنها تمثل مرحلة تاريخية هامة من تاريخ تونس وهي تكشف أن المواطن لم يتعود بعد على ممارسة الحرية ولم يتعود على قنوات أخرى مثل وسائل الإعلام للتعبير عن آرائه وايصال أفكاره بطريقة أكثر مدنية ومواطنة وتحضر وأكثر انتشارا أيضا لأن التعبير عبر الكتابة على الحائط قد لا يمكن أن تصل إلا لفئة محدودة ولا يتلقف رسالتها ومضامينها سوى نسبة قليلة من المارين من هذا النهج أو ذاك . جمالية المكان ويكشف السيد الحبيب الدرويش أن الجدران لم تعد الوسيلة الوحيدة لتبليغ أفكارنا بعد أن قضت الثورة على نظام الديكتاتورية والاستبداد ثم انها تعتبر سلوكا مخلاّ بجمالية المدن والعمران وبما أن بلدنا تعتمد على القطاع السياحي فإن مثل هذه العبارات المكتوبة على الجدوان تشوه المكان ولا تشجع السائح على القدوم إلينا ثم أنها اعتداء على الفضاء العام الذي نتقاسمه مع الآخر وعلى الموجود والذائقة ويؤكد : «يجب أن تعطي صورة جميلة لبلدنا ونسعى الى إيجاد وسائل أخرى بديلة لإيصال أفكارنا خاصة في ظل انتفاء شروط الكبت الفكري وتكميم الأفواه والقمع والاستبداد... لقد افتككنا حريتنا ولكن يجب أن نتعود على كيفية أن نكون أحرارا ومسؤولين على سلوكنا.