إنهاء مناورات الثورة المضادة يتم عبر نقل أمانة الثورة والسلطة إلى مجلس انتقالي لرئاسة الدولة تجسيما بصفة فعلية لإرادة الشعب في دنيا الواقع وفي نفس الوقت تصحيحا للمسار المتعثر للثورة وإنجاحا لها. وليس هناك من طريق آخر واقعي للإبقاء على وهج وزخم الثورة ولتحقيق أهدافها العامة المشتركة غير اضطلاع المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة بأمانة الثورة والسلطة وهوما نحاول تناوله في هذا المحور الثاني الذي نخصصه للحديث في المهام الأساسية للمجلس الانتقالي لرئاسة الدولة. ثانيا : مهام المجلس الإنتقالي لرئاسة الدولة إن تحميل المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة أمانة الحفاظ على الثورة والسلطة في هذه المرحلة الحساسة من مواجهة الثورة المضادة وإفشال مناوراتها يقتضي اضطلاع هذا المجلس بجملة من المهام الأساسية التي لا يمكن بدونها تحقيق الانتقال الديمقراطي السليم الذي يستجيب لإرادة الشعب كما لا يمكن بدونها أيضا تحقيق أهداف الثورة في الكرامة والحرية والعدالة وبناء ديمقراطية حقيقية بما يساعد على التطوير والتنمية والتقدم ويمكن حصر هذه المهام الأساسية للمجلس الانتقالي لرئاسة الدولة، في هذه المرحلة ، على الأقل في جملة النقاط التالية : إيقاف العمل بدستور 1959 بالوصول إلى يوم 15 مارس 2011 تكون مهام الرئاسة الوقتية قد بلغت أجل انتهائها دستورا بما يستوجب نقل أمانة الثورة والسلطة إلى المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة تنفيذا لإرادة الشعب، وبما يترتب عنه إيقاف العمل بدستور 1959 الذي كان وراء جانب كبير من مآسي الشعب التونسي خاصة في مستوى الممارسة الاستبدادية للسلطة كيفما يملى ذلك النظام الرئاسي ويقتضيه وكيفما يسهل الانحراف بهذا النظام ليسقط في بؤرة الدكتاتورية ، وهوما حصل على عهدي بورقيبة وبن علي،لذلك فإن المهمة الأساسية الأولى للمجلس الانتقالي تتمثل في إيقاف العمل بدستور1959، وهي من تحصيل الحاصل ويكفي فقط الإعلان عن ذلك كأمر واقع ليس إلا.. 2 حل البرلمان بمجلسيه تتعالى النداءات حاليا في المظاهرات والإعتصامات مطالبة بحل البرلمان بمجلسيه النواب والمستشارين، غير أن هذه المطالبة ستظل دون استجابة لأنه لا وجود الآن لجهة رسمية مختصة أوقادرة على حل البرلمان، إذ ليس من صلاحيات الرئيس المؤقت للجمهورية دستوريا القيام بذلك ، كما أنه لا وجود لجهة رسمية أخرى تستطيع أن تفعل ذلك، إضافة إلى أن إمكانية الحل الذاتي للبرلمان سواء من طرف النواب بالنسبة لمجلس النواب أومن طرف المستشارين بالنسبة لمجلس المستشارين ليست واردة في الواقع، بل ومستبعدة تماما بما يجعل الثورة في وضع متناقض مع وجود برلمان فاقد للشرعية مرتين ، مرة أولى عند ولادته بعملية انتخابية مزيفة ومرة ثانية بعد انتصار الثورة التي سارعت بإعلان الوفاة كنهاية حتمية استجابة لإرادة الشعب الحقيقية .. لم يبق حينئذ من جهة رسمية تملك الشرعية المستمدة مباشرة من إرادة الشعب سوى المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة باعتباره مؤتمنا على الثورة والسلطة ، ولذلك كان من الضروري مرحليا تأكيد وتكريس الشرعية الثورية ثم إضفاء هذه الشرعية على المجلس الانتقالي لرئاسة الدولة، بما يجعل منه الجهة الرسمية الوحيدة الحائزة لهذه الشرعية المفقودة في غيره، وبما يخوله باسم الشرعية الثورية وتنفيذا لإرادة الشعب المطالب بحل البرلمان أن يتخذ القرار الشعبي بحل مجلسي النواب والمستشارين إنهاء بذلك لأهم مظهر رسمي من مظاهر الثورة المضادة وإنهاء في نفس الوقت لبقايا النظام المطاح به علاوة على إرجاع الشرعية المغتصبة إلى الشعب ليمارس إرادته دون تزييف أوتحريف، خاصة وأن هذا البرلمان قد جاء مثلما هومؤكد بعملية انتخابية مزيفة وضعت رئيس مجلس النواب في موقع الرئيس المؤقت اضطرارا لسد الفراغ المفاجئ، وهوفاقد للشرعية منذ البدء.. 3 تشكيل حكومة كفاءات وطنية من الأخطاء التي واكبت وأعقبت انتصار الثورة في تونس تشكيل حكومة أحزاب سياسية وليس حكومة كفاءات وشخصيات وطنية مستقلة عن الأحزاب السياسية، فالحكومة الحالية التي يطالب الشعب بإسقاطها تتشكل في الجزء الأهم منها من تحالف بين بقايا رموز حزب التجمع الدستوري وبين رموز بعض أحزاب المعارضة القانونية ، بما يجعل منها امتدادا للماضي أي امتدادا لنظام بن علي وليس قطعا مع هذا الماضي ولا مع هذا النظام القمعي الاستبدادي المرفوض ... وتشكيل حكومة كفاءات وشخصيات وطنية مستقلة يساعد على إنجاح أهداف الثورة وينقذها من أي التفاف أوانحراف أوتوظيف ويساعد أيضا على تصريف الأعمال وتحقيق الانتقال الديمقراطي السليم ، وما على رموز بعض أحزاب المعارضة القانونية التي هرولت بسرعة ودون وعي أحيانا نحواقتسام الغنيمة والظفر بهذه الوزارة أوتلك ، ونحوالانخراط في حملة انتخابية مبكرة خرقا للقواعد الديمقراطية التي تقضي بإتاحة تكافئ فرص المنافسة السياسية أمام جميع القوى السياسية بالتساوي، ما على هذه الرموز إلا أن تتفرغ للعمل الحزبي استعدادا للمشاركة على قدم المساواة مع جميع القوى السياسية في المواعيد الانتخابية القريبة القادمة ، وحينذاك فقط يمكن تقدير الحجم الحقيقي لهذا الحزب أوذاك حسبما تفرزه العملية الانتخابية ، حينذاك فقط يكون الاشتراك في تشكيل الحكومة بما يتناسب مع هذا الحجم الحقيقي الذي أفرزته الانتخابات ، أما قبل ذلك فإن الأمر يصبح من قبيل المغالطة والانتهازية وهذا أمر غير مقبول لأنه فاقد للنزاهة والمصداقية ... يمكن للمجلس الانتقالي لرئاسة الدولة الدخول منذ الآن ، وربحا للوقت ، في مشاورات مع الكفاءات والشخصيات الوطنية المستقلة من أجل تشكيل هذه الحكومة الانتقالية التي ينادي بها الشعب والتي تنسجم مع طبيعة المرحلة وما تستلزمه من مهمات ٭ الأستاذ محمد رضا الأجهوري (كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس)