لست ضد المعتصمين في القصبة، بل و أعتبر أن حركتهم إيجابية لتثبيت الحرية وصانعتها الثورة التي فجرتها. ولكني مع ذلك أتمنى أن نكون إيجابيين، فننظر إلى المستقبل وملامحه القريبة والبعيدة التي يجري صنعها الآن وفي هذه الأيام، مصر انتصرت ثورتها بعدنا بأقل من شهر بقليل، ولكن ملامح دستورها المقبل تبدو جاهزة. والمجتمع المدني المصري يشارك حثيثا في تحديد تلك الملامح. ندوات في التلفزيونات، وفي التجمعات تناقش أفضل الخيارات لما سيكون عليه دستور مصر، وأعتقد أن تلك الملامح فيها ما يمكن أن يصلح لبلادنا. غير أن لي تصورا معينا، وما أتمناه أن تنشر الصحف وأن تناقش الشاشات والإذاعات التصورات المحتملة للدستور التونسي، المقبل الذي سيخطط لحياتنا السياسية ربما على مدى عقود وربما قرون، فالدستور الأمريكي ينظم الحياة الأمريكية منذ قرنين أو يزيد، والدستور البريطاني غير المكتوب منذ عدة قرون. أولا: إني لا أرى مفرا من صياغة دستور جديد، فدستور 1 جوان 1959 قد تم تفصيله على مقاس الرئيس السابق بورقيبة، وتعديلات 1988 جاءت على مقاس الرئيس السابق بن علي، وقد أصبح خرقة بترقيع أضاع فلسفة ذلك الدستور الذي يبقى تقدميا جدا لو لم تتخلله في كل الفصول إشارة تحيل إلى القانون، هذا القانون الذي كان رجعيا في عمومه، ولو تم عرضه على محكمة دستورية لأفتت بعدم دستورية كل تلك القوانين. ثانيا : إني لست مع لجنة خبراء تتولى صياغة الدستور الجديد بل من أنصار انتخاب مجلس تأسيسي يتولى تلك العملية، مصر التي كلفت لجنة خبراء لم يسبق لأي من دساتيرها أن صاغه مجلس تأسيسي، والخبراء يمكن أن يكونوا الأكثر اطلاعا وقدرة ولكن الإحساس السياسي والتنوع الفكري والإختلاف في وجهات النظر التي يعج بها المجتمع لا يتوفر في الغالب لديهم. ٭ ٭ من هنا فمن رأيي ضرورة انتخاب مجلس تأسيسي سنتحدث عن مهامه لاحقا. ٭ يتم الإنتخاب من وجهة نظري بطريقة التصويت في الدوائر الصغيرة الفردية ( الإسمي)، وينجح أوتوماتيكيا كل من يحصل على 50 في المائة مع صوت واحد أو أكثر من أصوات المرسمين (لا المصوتين) في الدائرة، فيما تجري دورة ثانية بعد أسبوع أو اثنين للتصويت على المرتبين الأول والثاني دون غيرهما. وينجح من بينهما طبعا الذي يحرز على أكثر عدد من الأصوات، بما يعني التصويت بالطريقة الفردية الإسمية في دورتين. ٭ يتشكل المجلس التأسيسي من عدد من النواب المؤسسين يتم ضبطهم وفق عدد محدد يعتمد لكل دائرة،بتفصيلات أخرى يتم الإتفاق بشأنها. ٭ يعتمد الدستور الجديد في أبوابه التي تهتم بالمبادئ والحريات على الدستور القائم بعد تخليصها من شوائبها. ٭ ٭ أما مهام المجلس فتتمثل من وجهة نظري في: 1) انتخاب رئيس للجمهورية مؤقت إلى حد نهاية ولاية المجلس وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لولاية عادية. ومن وجهة نظرنا فإن انتخاب رئيس الجمهورية المؤقت من قبل المجلس التأسيسي يجنب البت قبل الأوان في طبيعة النظام الجمهوري المراد قيامه وهل يكون رئاسيا أو برلمانيا، مع تحديد مدة الولاية (4 سنوات مثلا وبأقصى ولايتين على الأكثر للسماح بالتداول على الحكم) ويترك ذلك التحديد للمؤسسين، وبعد نهاية إعداد الدستور يتم انتخاب رئيس على أسس واضحة في نفس الوقت مع مجلس النواب. 2) اختيار رئيس للحكومة منبثقا من الأغلبية يتولى تشكيل حكومة و يكون مسؤولا أمام المجلس ويمكن أن تسحب منه الثقة وتسقط حكومته. 3) كتابة قانون داخلي لكيفية تسيير المجلس، وقواعد سيره، والأغلبية المعتمدة لتقرير مختلف فصول مشروع الدستور. 4) الشروع في كتابة الدستور وفق مبادئ يتفق عليها. وعادة ما تضم الدساتير نوعين من المضامين: المضامين التي تهم الحريات والتي يقع استيحاؤها من المبادئ الكونية والمواثيق الأممية المصادق عليها وطنيا. أدوات الحكم ووسائله وطرائقه، وهنا يتوقع المراقبون أن تكون هذه على غير ما كان ينص عليه دستور 1959 الذي تم تعديله عددا كبيرا من المرات. وسيختلف الأمر بحسب ما إذا اعتمد نظام حكم رئاسي أو نظام حكم برلماني. وما إذا كانت الحكومة ستكون مسؤولة أمام البرلمان وحائزة على ثقته أو لا. كما إن كثيرا من الفصول في الدستور الحالي بارتباطها بتلك الحالات لا بد أن تشهد تغييرات عميقة. على أن المفترض أن تكون فترة كتابة الدستور الجديد غير طويلة، ولا ينبغي أن تتجاوز 6 أشهر. وكان دستور 1959 قد استغرقت كتابته أكثر من ثلاث سنوات. فقد بدأت جلسات المجلس التأسيسي في أفريل 1956 وتم توقيع الدستور ليصبح نافذا في 1 جوان 1959. ووفقا لما كان يقال وقتها، فإن المرور لاختيار شكل الدولة وإلغاء النظام الملكي احتاج إلى أكثر من سنة، للتمكن من السيطرة على القوة العامة وأجهزة الدولة حتى يمر ذلك الإنتقال بسلام. غير أن لا شيء يفسر مرور سنتين بعد ذلك لاستكمال كتابة بقية عناصر الدستور، إلا ما يقال اليوم من رغبة بورقيبة من أن يكون طليق اليدين في التشريع كما يريد طيلة تلك المدة. وقد بقي بورقيبة يشرع حتى بعد إمضاء الدستور، وحتى بعد انتخاب مجلس الأمة في خريف 1959. وذلك حتى آخر ذلك العام رغم وجود سلطة تشريعية قائمة. 5) تولي التشريع والنظر في موازين الدولة وغيرها من الأنشطة التشريعية التي تقوم بها البرلمانات. ٭ ٭ بعد نهاية المجلس التأسيسي من مهمته الأساسية التأسيسية وصياغة الدستور، وتوقيعه من قبل الرئيس المؤقت (الثاني)، تقع الدعوة لانتخابات رئاسية تشريعية وفق مقتضيات الدستور الجديد. ٭ (كاتب صحفي رئيس التحرير السابق لجريدة الصباح)