كتب أحمد خالد رسالة الى الشيخة موزة قرينة أمير قطر، ونشر نصها في جريدة «الشروق» يوم 6 فيفري 2011، تبتدئ الرسالة بمدح مطول لحكومة قطر،وتبارك عملها النبيل وتشكرها على ما قدمته من جهود موفقة لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم. وبعد أن ختم مقدمته المزخرفة بألمع عبارات المدح، دخل في صلب الموضوع قائلا: «وبعد هذا، وأنا أستعرض مؤتمركم على الشبكة العنكبوتية، فوجئت بوجود«فضولي» في أشغال مؤتمركم المدعو حسن أحمد جغام ناشر من تونس الذي تباهى بدعوتكم له الى المشاركة في مؤتمركم..? فما قدرت على ملازمة الصمت، ورمت لفت انتباه سعادتكم الى ذلك الحضور الدخيل عليكم... فمن دس في مؤتمركم العالمي دعي« خبرة فائقة في التربية والتعليم»?. وهو في الواقع معترف بأنه يقول عن شخصه: «طردت من التعليم في مرحلته الابتدائية...فإن تذرع بالعصامية لتواجده بين أفذاذ من أهل الاختصاص في مؤتمركم العالمي، فهل تبنى عصاميته على أساس هشّ،رخو?... من غشّ مجمعكم العلمي والتربوي المرموق بمن انتحل لنفسه صفة تربوية تطاول بها الى حجم كبار مدعويكم...?» ثم ختم رسالته بالفقرة التالية:«من المخجل حقا للمثقفين والمربين في تونس أن تتم دعوة مثل هذا الدخيل على مجمع خبراء التعليم في العالم لتبليغ صوت تونس في هذا المجال الاستراتيجي الذي تسلط عليه ضيفكم أو دسّ في مؤتمركم...»إلخ. تلك هي خلاصة الرسالة،يضاف اليها لفت انتباههم الى شخصه العظيم، فقدم نفسه على النحو التالي:« الفائز الأول في التبريز من جامعة السربون، المؤرخ والكاتب وعضو المجمع الثقافي العربي ببيروت ومجمع الدراسات والبحوث في العولمات بباريس حاليا أحمد خالد وزير الثقافة سابقا...» المهم أن الجميع تفطن لفحوى الرسالة وغايتها، على أنها ليست سوى وشاية رخيصة، ولكن بعض الأصدقاء الذين اطلعوا عليها، نصحوني بأن لا أرد عليه، وكانت هذه قناعتي الى حدّ كبير...لاسيما وقد اتضح لي المستوى الثقافي الهزيل للأستاذ المبرز، ليس من خلال هذه الرسالة الحقيرة فقط، بل مما كتبه عني من قبل في هجوماته الفاشلة، لذا قررت أن لا أهدر وقتي في مهاترات تطربه، لاسيما وهو المتفرغ لها... ولكنني في آخر لحظة عدلت عن رأيي الأول ، وقررت أن لا أترك القراء يتأثرون بمغالطاته، فهذا التعقيب على رسالة «الوشاية» ليس موجها له، بل هو موجه الى من لا يعرفني من القراء لتنويرهم، واني لواثق بأن كل من يطلع على رسالته وعلى ردي عليها هذا ، سيهتدي الى الحقيقة بكل يسر. أولا: بدأ الرجل رسالته بالمغالطة، بعد أن اطلع على حوار أجراه معي الصحفي النشيط شكري الباصومي يوم 3 فيفري، وقد مهده بكلمة قصيرة، مما جاء فيها:«حسن جغام ناشر شارك في عديد التظاهرات الدولية...» الخ... فاغتاظ من تلك الإشارة، و«لم يقدر على ملازمة الصمت» وفعلا كانت هذه الكلمة وهي مقدمة الى الحوار ، هي التي أشعلت ناره من جديد...وليس كما ادعى أنه يتابع الأحداث على الشبكة العنكبوتية، وإذا كان صادقا فلماذا لم يقم بنصيحته إبّان الحدث، وقد تمّت دعوتي الى مؤتمر المعرفة الأول بدبي سنة 2007، لماذا تأخر عن هذا النصح الثمين كل هذا الوقت؟ ثم هناك سؤال أخطر هو: لماذا الآن، لماذا اختار أحمد خالد هذه الظروف التي تعيشها بلادنا، والعالم كلّه يهتف باسم تونس، ليشهر بأحد أبنائها الناشطين في الحقل الثقافي، أليس هو أحد العناصر التي تريد أن تطفئ المشعل الذي ترفعه ثورتنا التاريخية كمنارة لجميع الشعوب المضطهدة؟ أما كيف كانت دعوتي الى «مؤتمر WISE»، إذ لم تكن بسبب «خبرتي الفائقة في التربية والتعليم»، وإن وضع هذه الجملة بين ظفرين، هو نوع من الغشّ والمغالطة استعملهما أحمد خالد ليوهم القارئ بأني أنا الذي قلت مثل هذا الادعاء، وهو في الحقيقة من تحبير أصابعه المرتعشة، أما أنا فلم أدّع مثل هذا القول في يوم من الأيام. وأما ما لا يعرفه الأستاذ المبرّز هو أن دولة قطر لما أعدّت هذا المؤتمر بالتعاون مع جهات عالمية، هيّأت له إطارات ذات خبرة عالية في التنظيم بضوابط شديدة الدقّة، حتى أن نجاح المؤتمر كان محلّ إعجاب كل الشخصيات التي شاركت فيه. وكذلك ليكن في علم الأستاذ المبرّز أن هذا المؤتمر لم يكن ورشة تقنيات بيداغوجية، ولا هو منبر محاضرات لشرح نظريات في التربية والتعليم.. بل كان مؤتمرا للبحث في آفاق المعرفة المستقبلية للأجيال القادمة، على أن تكون ثقافة عقلانية علمية، لحصانة أطفالنا من صراع النعرات العرقية، وتطرّف المذاهب الدينية، وما الى ذلك مما قد يثير الفتن بين شعوب المعمورة التي أصبحت شبه قرية صغيرة.. وكذلك نظر المؤتمر في مصير الأطفال الذين حرموا من دخول المدارس، والنظر في البحث عن مصادر تمويل لتدارك هذه الثغرة، التي وسّعت في الفوارق بين الشعوب، لأن الجهل يؤدي الى الفقر، والفقر يؤدي الي الفوضى، والفوضى تؤدي الى العنف، هذا ما تناوله المؤتمر من مواضيع، وما الى ذلك من قضايا تهمّ مصير البشرية في المستقبل القريب والبعيد. لذا فإن اختيار المدعوين لم يكن مقتصرا على رجال التربية والتعليم، بل شمل ممثلي الثقافة بمفهومها الواسع، من علماء في الكيمياء والفيزياء، ورجال سياسة وأدب، وأعلام في الصحافة والاعلامية، ومخترعين ومكتشفين، وممثلي منظمات عالمية، كالبنك الدولي، والبنك الافريقي للتنمية، ومنظمة اليونسكو، والأليكسو، ومركز الأممالمتحدة للاعلام، وغير ذلك من المؤسسات والهيئات والمنظمات.. وإن اللجنة التي أعدّت تنظيم المؤتمر، كانت عناصرها واعية كل الوعي بأهمية صناعة الكتاب، الى حدّ أنها اعتبرت حضور رجاله أكيدا في مثل هذا المؤتمر التاريخي. أما دعوتي أنا فلا شكّ أنها كانت بصفتي: ناشرا تونسيا، مميّزا، يخدم ثقافة الكتاب بالمنهجية التي تساهم في دفع مسيرة الحياة الثقافية نحو الأفضل.. وهذا قرارهم وحدهم، سواء أخطأوا أو أصابوا ولم يكن دوري سوى الاستجابة لهذه الدعوة الكريمة. أما دوري في مجال اختصاصي: فأعلن عن بعضه لأول مرة، ليس من باب التبجّح، بل من منطلق الاعتزاز، أني أصدرت حتى الآن حوالي ألف وخمس مائة عنوان، منها ما طبع عدّة مرّات، ومنها ما نال جوائز وطنية وقومية، وإني أقدّر بكل تأكيد إنّ عدد النسخ المسحوبة من منشورتتي، تزيد عن عشرين مليون نسخة خلال ثلاثة عقود، رغم الحصار المضروب عليّ منذ أن تولى الهرماسي وزارة الثقافة الى يومنا هذا، مما جعل الكثير من هذه المنشورات غير متوفر في مكتباتنا العمومية... إلا أن ما يشرفني، هو أن الكثير من هذه المنشورات غير متوفرة في مكتباتنا العمومية، ولعل هذا ما ساعد المنظمين للمؤتمرات في قطر ودبي على دعوتي مع الفاعلين في الثقافة...أما مساهمتي في الانتاج الأدبي فهي تتمثل في عدد من المؤلفات، أصبح بعضها مرجعا اعتمد عليه أدباء من مصر وتونس من بينهم صديقي الدكتور منجي الشملي الذي تدعي«افتراء» أني تهجمت عليه، وإني أعذرك حين لا تعرف هذه الحقائق في ثقافتنا العربية، لأنك لست من المتابعين لها. أرأيت يا أول الفائزين في التبريز، أن الشيخة موزة وأعضاها لم يظلموك في عدم دعوتك لحضور هذا المؤتمر... ثانيا: قولك للشيخة موزة ولأسرة المؤتمر: «اسألوه رعاكم الله، وجعلكم ممن يؤثر الحق، ويقوله، وينقطع اليه، ويوصله الى أهله، اسألوه متى جلس ذلك المعترف بضحالة تكوينه القاعدي على مدارج الجامعات? أو انتصب في مراكز البحوث التربوية?... اسألوه حبب الله إليكم علم اليقين متى... اسألوه متى... اسألوه ما هي إسهاماته الأكاديمية..??». ثم يردف هذه العبارات المحنطة بإضافة جريمة أخرى ينسبها اليّ بقوله:« فإن تذرع بالعصامية، فهل تبنى عصاميته على أساس هشّ، رخو..» أقول له : ألم أجبك عن هذه الأسطوانة المنشرخة، في «مذكرات ناشر» الجزء الثاني، إذ قلت:«ليطمئن بال كل من يرتاب في شخصي المتواضع، إذ أشدد على موقفي التالي: لقد كنت عصاميا ولا أزال، فأنا لم أتقيد بمدرسة أو جامعة، بل وجدتني حرّا طليقا، أتجول في رحاب مختلف المعارف، أنهل من متعدد الثقافات بعقلية المتعطش الدائم للعلم، ولا المكتفي بمحصله..» ومن جهة أخرى، مادامت« عصاميتي مبنية على أساس هشّ، كما يقام البناء على الرمل» حسب تعبيرك ، فلماذا أنت موجوع في حرقة مستمرة منذ أكثر من سنة، ولم تطفئ نارك القضايا المتعددة في المحاكم، رغم ما تفوهت به من شتم وسبّ في تشنج هستيري، أليس لأن قلم هذا العصامي استطاع أن يكشف حقيقتك للرأي العام ، بعد أن كنت تنتفخ كالطاووس، مما جعلك لا تقدر على تحمل التأثير البالغ لمفعول قلمه?... ليتك كنت من المثقفين المطلعين على أن العصاميين يعدون بالآلاف، وهم من غيروا مجرى التاريخ البشري، وإن ما نتشابه فيه هو أن أكثرنا طرد من المدارس، وبعضنا هرب منها، ويكفي أن أذكر لك واحدا منهم فقط، هو «هربرت سبنسر» الفيلسوف الانقليزي، ولماذا «سبنسر» دون غيره، لأنه كان طيلة طفولته يهرب من المدرسة، ثم ثقف نفسه بنفسه عن طريق الكتاب، الى أن أصبح أعظم منظر في التربية والتعليم...اقرأ عنه بعض الفقرات في أي موسوعة تعترضك، لعلك تعود الى رشدك، وتكف عن التباهي بشهاداتك وتدرك ماقاله أحد أساتذة السربون:«الشهادات لا تصنع الرجال!». ثالثا: تريد أن تزايد بالمراوغات السياسية، فتقول،«ينقلب الدعي على حاميه الرئيس المخلوع، فيتمسح على أعتابه ليطلق لسانه بالعبث بأعراض أزاهير تونس». من يصدق ادعاءك هذا حين تعود وتقول في نفس المكان: «أدان القضاء صاحب كتاب القمامة ابتداء واستئنافا في جريمتي الشتم والثلب..» إذا كان القضاء أدانني وهو فعلا قد أدانني فأين الحماية التي تدعيها؟.. ألا تخجل من قلمك المضطرب، الى هذه الدرجة من المغالطات التي أصبحت تروّجها الى الخارج؟ ألا تخجل حين تزايد بالسياسة، والكثير يعلم أن مقالاتك في مدح بورقيبة ثم في مدح بن علي هي التي جنيت بها تلك المناصب التي تتبجّح بها في تقاريرك للحكام لينصروك عليّ؟ تقول: «يتمسح على أعتابه ليطلق لسانه بالعبث بأعراض أزاهير». من الذي كان يتمسح على أعتاب قصر قرطاج. ألست أنت الذي جعلته قبلتك، تترجى مستشاري بن علي كي يتدخلوا في منع الكتاب من الترويج، بحجّة التطاول وثلب «الرموز الوطنية..»؟ ألا تخجل حين تكرّر عبارة «أنت أزاهير تونس» وهذه «الأزاهير» التي تتحدث عنها قد أصبحت بعد 14 جانفي في سلّة المهملات، بسبب ما صنعت أيديهم من فساد. رابعا: لقد سبق أن ذكرت الوشايات التي قمت بها ضد بعض المواطنين الذين ثبتت براءتهم مما نسبته إليهم، ولكنك في احدى مقالاتك المغرضة أنكرت ذلك.. واليوم ألست برسالتك الحقيرة الى الشيخة موزة تثبت من جديد، أنك وشّاء من الطراز الأول..؟! وأخيرا، ليكن في علمك أن الشهادات التي بلغتني بعد صدور كتابي «مذكرات ناشر» ممّن اضطهدتهم وممّن عملوا معك، لكفيلة في حجمها أن تكون مادة لكتاب أسود يفضح المستور الذي لم يُعرف بعد، أو ممّا لا يعرفه إلاّ القليل.. ولكنني أعدك بأني لن أعود الى اضاعة وقتي في مثل هذه الكتابة المبتذلة، ولكنني مستعد أن أمدّ بها كل من له متسع من الوقت لهذا العمل. وما دمت أنت الذي بادرت بالهرولة الى المحاكم، فإني الآن أكثر ارتياحا من أي وقت آخر، الى استقلالية القضاء وتفاؤلا بعدالته وأكتفي بذلك، واللّه نصير الحق.