مازالت أجواء الغموض والضبابية تلف بلادنا، ومازال الخوف يسيطر على النفوس في ظل تواصل عمليات السرقة والنهب والحرق والاعتداء على الأشخاص والممتلكات الخاصة والعامة ولم توفق قوى الأمن والجيش من بسط الأمن والاستقرار وإعادة الثقة للمواطن. ومازال القطاع الاقتصادي يعاني من التوقف المفروض للانتاج نتيجة تغليب المصلحة الذاتية على المصلحة الوطنية واستباحة التشريعات الاجتماعية وتجاوز منظمة العمال التي كان من المفروض أن تؤطر المحتجين وتسعى الى تحقيق مطالبهم عبر القنوات القانونية. وما تزال الحكومة المؤقتة تعدّ خارطة الطريق لتنفيذ تعهداتها الاجتماعية والاقتصادية مساهمة في نفاد صبر المعوزين والمعطلين عن الشغل وتململهم، إضافة الى بروز نعرات جهوية وقبائلية مرفوضة. هذه المؤشرات مجتمعة تزيد في تخوّفات العديدين حول مستقبل البلاد خاصة بعد الاشارات التي أرسلها البنك المركزي أمس الاول. وفي المقابل تلوح في الأفق بوادر أمل وسعي واضح إلى تدارك ما فات وامتصاص أسباب التوتر والقطيعة مع الشارع. أولى هذه البوادر اقتراب الحكومة الجديدة من مطالب الحراك الاجتماعي وقبولها برزمة الاستحقاقات المرفوعة وعلى رأسها الاعتراف بمجلس حماية الثورة وانتخاب أو تكوين مجلس تأسيسي يعهد اليه بسنّ القوانين المنظمة للحياة السياسية وأولها الدستور والمجلّة الانتخابية وبعدها قانون الاحزاب والجمعيات والصحافة. ولا شك أن هذه الأطر والتشريعات ستضمن الانتقال الديمقراطي المأمول وتحقيق أهداف الثورة إذا توفّرت الارادة الصادقة وتم تغليب الحسّ الوطني والوصول الى الوفاق المطلوب الذي ينبذ المصلحية والتهافت على الكراسي. إننا أمام لحظة فارقة ومنعرج خطير وعلى الجميع الالتفاف والتكاتف لرفع التحديات وتحقيق الأهداف التي ينتظرها الجميع بعيدا عن المزايدات وتبادل الاتهامات، فتونس للجميع ومستقبلها في نمائها مسؤولية الكلّ.