محسن الزغلامي ربما لن يكون من قبيل القفز على الحقائق القول أن تونس الثورة - وعلى الرغم من كل أحداث العنف والدسائس والمثبطات بمختلف تمظهراتها التي باتت تطفو - من حين لآخر - على سطح المشهد الاجتماعي والسياسي والأمني مع ما تخلفه في النفوس من مشاعر الخوف والإحباط.. ستبقى بلدا آمنا وواعدا.. نعم ،، فتونس اليوم هي - وفي العمق - مجتمع حي ونشيط وبلاد "حبلى" - حقيقة وليس وهما - بمشروع دولة مدنية جديدة ديمقراطية وعصرية ستخرج بالتونسيين - وبغير رجعة - من قائمة الشعوب العربية المقهورة والذليلة التي ظلت ترزح - تاريخيا - تحت نير أنظمة الفساد والاستبداد... نقول هذا - لا من باب التفاؤل الساذج - وانما اعتمادا على مؤشرين اثنين على الأقل: الأول ، يتمثل في مظاهر "التجند" واليقظة القصوى التي لا يزال يبديها الشعب التونسي وقواه الحية - وبخاصة فئة الشباب - تجاه أي مسعى جبان للالتفاف على ثورته العظيمة والانحراف بها عن أهدافها الاصلاحية النبيلة... أما الثاني فيتمثل في تلكم الروح الوطنية العالية - روح الوفاء للشعب وللوطن - التي لا يزال يصدر عنها رجالات المؤسسة العسكرية - خاصة - في تعاطيهم مع مستجدات المشهد الاجتماعي والسياسي في تونس ما بعد الثورة.. وهي الروح ذاتها التي جعلتهم ينحازون في "ساعة العسرة" وفي أوج الثورة الى الشعب وليس الى النظام الفاسد والقمعي... نعم ، هناك - أحيانا - بوادر انحراف سياسي وتباطؤ اداري في السير بعملية الاصلاح والتطهير والتأسيس لدولة القانون والحريات والعدالة الاجتماعية التي بشرت بها ثورة 14 جانفي الشجاعة.. وهناك نزوع لدى بعض "الأطراف" السياسية والاجتماعية (أحزاب ونقابات) نحو تغليب المصلحة السياسية أو الفئويّة الضيقة - أحيانا - على مصلحة الوطن العليا.. ولكن هذا - على خطورته - سوف لن ينال - وبأي شكل من الأشكال - من معنويات عموم التونسيين الذين عرفوا كيف يطيحون - والى الأبد - بواحد من أعتى أنظمة القمع والفساد في العالم العربي... نظام المجرم بن علي الذي بات يمثل مصدر خطر بالغ على سلامة الوطن - من جهة - وعزة المواطن - من جهة أخرى - وما من شك أن هذا الشعب العظيم بمختلف قواه الحية سيعرف - أيضا - كيف يمكن - تدريجيا - لثورته العظيمة حتى تؤتي أكلها حريات وديمقراطية وعدالة اجتماعية بعيدا عن كل أشكال التطرف والطوباوية والغوغائية.