سواء أفضت الثورة الشعبية الليبية القائمة الى الاطاحة بنظام معمر القذافي أم فشلت في ذلك فإن ليبيا غدا لن تكون كليبيا الأمس، ومستقبل هذا البلد سيختلف حتما عن ماضيه. فالشعب الذي هب ليقول كلمته ويطالب بالتغيير لن يكون بعد اليوم ذلك الشعب الخانع المستكين على امتداد عقود طويلة من الزمن، ولكن هذا الشعب يتعرض اليوم لابتلاء شديد، فهو مخير بين خيارين لاخير فيهما، الأول أن يواجه مصيره بمفرده ويقاوم هذا البطش المسلط عليه ويواصل «معركة التحرير» هذا النهج قد يفضي الى نتيجتين إما النجاح في اسقاط النظام أو الخضوع لمزيد من العذاب. وأما الخيار الثاني فهو التدخل الأجنبي ولو بضربة خاطفة تستهدف رأس النظام لكن مخاطر هذا الخيار تبدو كبيرة وقد تفتح الباب أمام تدخل لا قبل لليبيين به ولا قدرة لهم على صده أو محو تداعياته. وقد بدا أن المعارضة الليبية (بشقيها الداخلي والخارجي) مصرة حتى الساعة على «عدم تلويت» الثورة بأي تدخل من الخارج وهي مطالبة، من هذا المنطلق، بالعمل على تحييد الخيار العسكري الأجنبي وعلى تنسيق جهودها لتكوين جبهة داخلية قوية قادرة على تحقيق المطلب الشعبي الداعي الى تغيير النظام أو على الأقل على التعاطي مع هذا النظام ان كان فيه بقية. ويبدو أيضا أن القذافي بات يلعب هذه الورقة حين حذر الليبيين من أن البديل عما يواجهونه اليوم هو التدخل العسكري الأجنبي بما يعنيه ذلك من سقوط آلاف الضحايا وهكذا وضع «العقيد» شعبه بين الرضا ببضعة آلاف من القتلى والجرحى «بنيران صديقة» وبمزيد من القمع بأيد ليبية «بريئة» وبين الاستعداد الى تحمل تداعيات الغزو الخارجي.وبين تكتيكات القذافي(التي استفاد منها ربما من حيث لا يدري) وحسابات المعارضة يقف الشعب الليبي اليوم في مفترق طرق وعليه أن يحدد خياره بسرعة أو بعبارة أوضح عليه أن يشق طريقا جديدا ويخلق خيارا آخر غير الخيارين المفروضين عليه وبهذه الطريقة فحسب يمكنه الحفاظ على ثورته والمضي بها الى نهاية المطاف لتحقق الأهداف التي رسمها هو بإرادته.