تونس الشروق : اعداد وحوار: النوري الصّل تعيش ليبيا هذه الأيام أوضاعا عاصفة متسارعة لا صوت يعلو فيها على صوت القتل والخراب... الأرواح تزهق بالآلاف... الرعب والهلع يخيّم على كل الأمكنة... ولا شيء يوحي بأن الأمور مرشحة للانفراج خاصة في ظل اصرار نظام القذافي على عدم التنحّي... وعلى مزيد القتل.. وفي ظل دخول الغرب على خط هذه الازمة... وسط هذا المشهد الذي يسطّر فيه الثوار «ملحمة الحرية»... بالدماء الزكية تحوم نقاط استفهام بالجملة.. وعلامات حيرة وحرقة... على مصير الشعب الليبي في ظل تصاعد هذه المحرقة التي تلوح وكأنها بلا نهاية... بعد أن كانت بدايتها واضحة للجميع... بداية عنوانها «الشعب يريد...» لكن يبدو أن القذافي اختار هو الآخر عنوانه في هذه المعركة... عنوان «العقيد يريد أن يبيد... بالنار والحديد». الشروق اتصلت أمس عبر الهاتف من بعض المدن الليبية بعدد من نشطاء وقيادات الثورة الليبية الذين كشفوا في التحقيق التالي تفاصيل التطورات الجارية على الميدان والوضع الإنساني. الاستاذ نعيم العبيشي وهو من بنغازي وأحد نشطاء الثورة الليبية أكد ل«الشروق» أن القصف بالطيران الحربي لم يتوقف، مشيرا الى ان الطائرات الحربية تلقي حممها على الثوار في الليل والنهار مما أدى الى وقوع مأساة انسانية بهذه المدينة. وأضاف ان الثوار مصممون على مواصلة ثورتهم حتى تحقيق النصر واسقاط القذافي ونظامه المترنح، مشيرا الى ان الثوار قطعوا شوطا مهما في هذا الاتجاه وان هناك عدة مدن تم تحريرها وهي اليوم ترفع علم الاستقلال... وأوضح ان الجنوب الليبي كله تحرر ما عدا مدينة سبها لأنها تضم المعقل الرئيسي للعقيد القذافي. «كلامولوجيا» من جانبه أكد السيد عزالدين الحبوبي وهو طبيب من بنغازي مهتم بمعالجة ضحايا الثورة ان ما يحدث كارثة حقيقية مشيرا الى ان خطابات القذافي التي يقول فيها انه ليس رئيس دولة وأنه بين شعبه لا تتطابق مع الواقع واصفا هذه التصريحات بأنها مجرد «كلامولوجيا». وأكد ان الحقيقة التي لا تغيب عن الجميع أن الناس في بنغازي يتعرضون اليوم للابتزاز والارهاب وأن كتائب القذافي تطلق الرصاص على الثوار. وأضاف : هناك أناس يتحدّثون اليوم باسم الثورة لكن هم في الأصل من كتائب القذافي يسلحون القبائل لضرب بعضهم البعض ولإشعال فتيل حرب أهلية»، مشيرا الى ان أكثر من نصف هذه القبائل هم مسلحون بالكلاشنكوف. وتابع: «هذا ارهاب أعمى يستدعي أن يحاكم القذافي وزمرته الحاكمة على هذه الجرائم الدنيئة». لكن الوضع في درنة اليوم يبدو أنه يختلف عن الوضع في بنغازي.. وفي هذا الصدد أكد الشاعر الليبي مصطفى الطرابلسي وهو من منطقة درنة أن الوضع هادئ بعد ان تمكّن الثوار من السيطرة على الوضع بشكل كامل، مشيرا الى أنه ليس هناك أي أثر اليوم لقوات القذافي بهذه المدينة. وفي توصيفه للأحداث التي شهدتها المدينة في الآونة الأخيرة أشار الى أن درنة شهدت معارك متقطعة لكن هذه المواجهات سقط فيها عدد كبير من الشهداء والجرحى الذين كان آخرهم سقوط 10 قتلى و15 جريحا الأربعاء الماضي. وأوضح أنه لولا صمود بنغازي التي كانت حاجزا أمام قوات القذافي لشهدت هذه المدينة عمليات لإبادة حقيقية... وحول الوضع السياسي بالمنطقة أشار السيد مصطفى الطرابلسي الى أنه تم تشكيل مجلس استشاري بقيادة عاشور بوراشد والاستاذ فاضل الأطرش وعبد المنعم الطرابلسي، مؤكدا ان هذه الخطوة أعادت الطمأنينة الى الأهالي الذين يجتمعون بشكل مستمر اليوم للتنسيق في ما بينهم ولإقامة أمسيات شعرية وحفلات غنائية تتغنى بالوطن. حرب إبادة من جهته كشف الطيار الليبي محمد التومي في اتصال مع «الشروق» من دبي أن لديه معلومات مؤكدة تؤكد أن القذافي استخدم آلاف المرتزقة في حرب الإبادة التي يشنها ضد الشعب الليبي، مشيرا الى أن عدد هؤلاء المرتزقة قد يتجاوز ال20 ألف مرتزق. وأضاف ان لديه أخبارا مؤكدة أيضا بأن المرتزق يتقاضى في اليوم الواحد ما لا يقل عن ألفي دولار فيما يصل مقابل الآخر الى 5 آلاف دولار. وأشار الى أنه تخلى عن العمل لأنه لا يقبل ان يستمر في العمل أمام ما يشاهده من ضرب وقتل لأبناء شعبه وفي رده على سؤال حول أنواع الاسلحة التي تم استخدامها ضد الثوار أكد أن قوات القذافي لم تستخدم الغاز المسيل للدموع ورصاص الكلاشنكوف فحسب وانما برشاشات مضادة للطائرات وبرصاص خارق وحارق يدخل الى الجسم ثم ينفجر فيه. وتابع أن هناك جثثا تؤكد اليوم استعمال هذا النوع من السلاح الذي كما يرى لم يستخدم مثيلا له في قمع الثورات والانتفاضات الشعبية. وأشار الى أن قوات القذافي استخدمت أمس الطيران المقاتل في قصف المتظاهرين في منطقة البريقة مؤكدا أن مثل هذه الوسائل الوحشية تثبت فظاعة جرم هذا النظام. لكن هذه الجرائم والفظاعات كما يؤكد السيد مصطفى المانع، المحامي والناشط وعضو ائتلاف ثورة 17 فيفري في حديثه ل«الشروق» أذكت روح التحدي لدى الثوار الذين باتوا مصممين على المضي قدما في ثورتهم هذه حتى التخلص من نظام القذافي وأضاف «إن المعركة لا تزال قائمة وضروس وأن النظام لا يزال موجودا». وفي رده على سؤال حول الوضع ببنغازي أوضح أن هذه المدينة لا توجد بها أية مؤسسات رسمية وكتائب أمنية لنظام القذافي لكن ذلك لا يعني كما يضيف أن بنغازي تحررت فما دامت طرابلس تحت سيطرة نظام القذافي فلا يمكن أن تقول إن ليبيا أصبحت محررة. مطاردات... واغتيالات واتهم الناشط السياسي الليبي في هذا الصدد قوات القذافي بمطاردة الناس في الشوارع وتنفيذ عمليات ابادة واغتيالات ممنهجة ضدهم... لكنه شدد على وأن كل هذه المجازر لم ولن ترهب المتظاهرين الذين سيستمرون في تحركاتهم حتى تحرير البلاد. وأضاف «نحن ندرك جيدا أن القذافي عنده الاسلحة والأموال والمرتزقة ولكن الحق معنا «نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت»، مثلما قال المجاهد الخالد عمر المختار. وأشار الى أن الثوار قاموا بتشكيل مجلس بلدي محلي يتولى تسيير الأمور من تعليم واقتصاد وأمن وطب كما تم الاعلان عن مجلس انتقالي مؤقت وظيفته تمثيل البلد في الداخل والخارج. واعتبر أن نظام القذافي سقط اليوم أن الممثل الرسمي للشعب الليبي في هذه المرحلة هو المجلس الانتقالي ومن يمثله. الناشط السياسي والمدون الليبي والمشرف على صفحة 17 فيفري حسن الجهمي قال من جانبه في اتصال مع «الشروق» ان الأمور تتطور من يوم الى آخر لكن ليس بنفس التسارع الذي شهدته خلال الأيام الأولى. وأضاف «ان تقهقر النظام واضح في معظم المدن الليبية لكن الوتيرة الآن خفت نوعا ما ونرى أن النظام يفقد شرعيته يوما بعد يوم وتابع «لقد بدأ الخناق يضيق على نظام القذافي ولهذا بدأ يتحصن في مدينة طرابلس التي ستتحرر قريبا بإذن الله... وفي رده على سؤال حول موقفه من احتمال التدخل الدولي في بلاده استبعد السيد حسن الجهمي مثل هذه الفرضية لكنه أكد ان أي محاولة أمريكية من هذا النوع ستجابه بمقاومة من الجميع وستفتح على الأمريكان والأوروبيين أبواب جهنم. وحول المبادرة الأخيرة التي عرضها الزعيم الفنزويلي هوغو شافيز اعتبر السيد حسن الجهمي هذه المبادرة تهدف الى مساعدة القذافي وانقاذه وليس الى انقاذ الشعب الليبي الذي ازداد تصميمه اليوم بعدما حدث من جرائم مقرفة كما يقول على ضرورة اعتقال القذافي وتقديمه الى المحاكمة. أما الاستاذ عبد الواحد حركات وهو صحافي ليبي من جنوبطرابلس فقد وصف الوضع بالمنطقة بأنه بات هادئا بعد ان كان في غاية المأساوية على امتداد الأيام الماضية. وأشار الى أنه شخصيا تعرض الى التهديد بالقتل باسم معمر القذافي متهما سيف الاسلام نجل العقيد، بالتخلي عنه رغم أنه قدم له شكوى شخصية في هذا الغرض. وأكد أن الشعب الليبي قال اليوم كلمته بوضوح وحدد مصيره وأن القذافي انفضح أمره رغم افراطه في استخدام الاسلحة القاتلة وجيش المرتزقة.