أحدثت ثورة الكرامة «زلزالا» سياسيا بامتياز، وصاحبت هذا الزلزال اهتزازات داخل المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي بتونس ولئن تشكل ردود الفعل المضطربة تارة واللاإرادية تارة أخرى من قبل جميع الأطراف المعنية مباشرة او غير مباشرة بالتطورات السياسية تشكل ردود الأفعال هذه أمرا طبيعيا نظرا لأن المفاجأة كانت أكبر من أي تصوّر.. بل إن الحديث تجاوز خبراء الدراسات الاستراتيجية في المشرق والمغرب.. والمفاجأة كما طوت صفحة نظام بائد.. فتحت المستقبل لقيام نظام الكلمة فيه للشعب... وقد عشنا خلال الأيام الماضية صخبا سياسيا واعلاميا لا يعلم الا الله تعالى كيف يتقبله الشارع المحتاج أصلا الى أن يجد توازنه من جديد.. هذا الشارع الذي أصبح لا يعلم ماذا يحمل له كل صباح يوم قادم من جديد... ومن مفاجآت هذا الشارع الذي أصبح يمارس السياسة دون وعي.. ولا قصد.. ولا غاية الشارع الآن أصبح منقسما على نفسه وأصبحنا نعيش فترة «الكل يشكك في الكل»... وهي حالة فريدة لم نكن مهيئين لها.. لا على المستوى النفسي.. ولا على مستوى ثقافة سياسية حاول النظام القديم الجاهل.. ان يصوّرها لنا أخطر من الثقافة الجنسية التي نخاف أصلا الخوض فيها... الشارع إذن دخل في مرحلة التوهان.. لا يعرف من يفعل ماذا، لا يعرف هل إن الملف الذي تقدّمه قناة نسمة هو الأهمّ من جدول نشاهده يحتدّ على بلاتوه قناة حنبعل التي يصرّ باعثها على حد قول المنشط/المحامي أو المحامي/المنشط وليد الزراع على ان يقال في حنبعل كل شيء في صيغة لا شيء يقال وهي فلسفة اعلامية فريدة أرستها قناة حنبعل!!! نعود الى القول بأن السياسة في تونس تعيش أفضل حالاتها ولو كانت تباع في الدكاكين وفي المساحات الكبرى، لكانت السلعة الأكثر رواجا... وهذا شيء يدعو الى الاعتزاز من ناحية والى الخوف والحذر من ناحية أخرى الاعتزاز لأن الحديث في السياسة من قبل الجميع يعني أن الثورة المباركة حققت أولى وأعز أهدافها.. وهي الحرية. أما الخوف والحذر لأن انخراط الجميع.. صغارا وكبارا.. في الحديث عن السياسة يحيد بالأهداف الكبرى ويميّع الوضع السياسي.. فتصبح الآراء المطروحة على اختلاف اتجاهاتها تزيد في عدم الاستقرار في وقت نحن في حاجة ملحة الى وقت لالتقاط الأنفاس... الجدل السياسي وظاهرة الصراخ السياسي التي بدأت تنتشر بسرعة.. غطّت في رأيي على وضع معقّد جدا.. ويعيش حالة عويصة من الفوضى والاضطراب.. وهو الوضع الامني... نعم.. تتحدّث جميع الأطراف على حساسية هذا الوضع.. وعلى وجوب إلجام كل محاولات احداث الفوضى الأمنية سواء من قبل مليشيات مأجورة من قبل أطراف تعمل بالليل والنهار على اجهاض الثورة وادخالها في نفق مظلم... أو من طرف من يعتبرون أن وقت ممارستهم لجرائم النهب.. والسلب.. والسرقة هو الآن... الآن وليس غدا.. هؤلاء الأطراف يمثلون خطرا حقيقيا وجب حقيقة التطرق الى تأثير مشاريعهم الاجرامية على السياسة.. والاجتماع والاقتصاد. الفوضى الأمنية التي أصبحنا نراها حاضرة في كل زمان.. ومكان أصحبت رعبا نحسّه في نظرات أطفالنا.. واضطراب نسائنا.. وتحفز رجالنا... ولكن... وفي خضمّ اهتمام الشارع بمجريات السياسة واستقالة وزير وتعيين آخر... وفي خضم ما يقدّمه الاعلام في اطار انفتاحه من نقاشات مفيدة... وغير مفيدة... في خضمّ هذا... هل شاهدنا يوما من خرج بملف كامل يتحدث عن الموقف الرائع لجيشنا الوطني الأبي... وقواتنا للأمن الشجاعة؟ هل سمعنا ممّن يدعون معرفة كل شيء... شكرا مستحقا يوجّهونه الى هذه القوات جيشا وأمنا؟؟ هل تحدّث هؤلاء عن التضحيات الكبيرة جدا التي يقدّمها عناصر الجيش وأفراد الأمن. سادتي، إن تركيزكم المبالغ على الملفات السياسية، أنساكم واجب الاعتراف لقوات حمت الثورة برجولة نادرة... وشجاعة فريدة... قوات الجيش والامن على حد السواء، قدّموا درسا رائعا في معنى التضحية، تقدّموا بروح حب الوطن... وواجب حمايتنا من كل أنواع الاجرام... نراهم يقظين عندما ننام... واقفين في العراء يراقبون الطرق... والحدود في وقت نحتمي نحن داخل مساكننا... تجدهم لا يهتمون بشتاء قارس وأمطار لا ترحمهم ورياح لا تهتم بوجودهم... بينما نتدفؤ نحن بأغطية لا تكفينا ونزيد ونستعمل مدفآت لعلها تدفع عنا بردا وشتاءً... جيشنا... درع وطننا الغالي... تحمل المسؤولية في لحظة تاريخية نادرة... قواتنا الأمنية... وبالرغم من ظلم تعرّضت إليه من طرف النظام الناهب... ومن طرف أبناء وطننا.. لملمت جراحها ورصّت صفوفها وتقدّموا مستجيبين لنداء واجب وطني ناداهم... فتركوا عائلاتهم بدون حام يحميهم... وخرجوا لتقديم حماية لوطن أحبوه. ألا يستحق هؤلاء جيشا وشرطة وحرسا... وقوات أمن بمختلف أصنافها... أن نقول لهم شكرا جزيلا؟؟؟ ألا يستحق هؤلاء اعترافا بجميل اعتبروه محقين واجبا؟؟ أليس أجدر بنا النظر الى هؤلاء؟؟ بنظرة التبجيل... والتقدير... لا الجيش ولا قوات الأمن تنتظر شكرا... بل هي تحتاج في هذا الوقت العصيب حرارة عاطفية يمنحها إليهم الشعب... يحتاجون الى أن يسمعوا بأن هناك من خرج على وسائل الاعلام برسالة اعتراف وتقدير... رسالة حب صادق من شعب استنجد به... فأنجده... وحماه ودفع عنه ومازال خطرا لن تنفع لا سياسة... ولا صراخ سياسي في درئه إن لم يتقدم الجيش وتتجنّد قوات الأمن بكل توزيعاتها... الى ساحة الواجب بدون تردّد... وبكل حب لوطن يستحق الحب. فهل نرى يوما قريبا يتفق فيه الجميع على تخصيص برامج اعلامية لا لاحداث الصخب السياسي بل لنقول شكرا لجيشنا الوطني الأبيّ وقواتنا للأمن الشجاعة؟؟؟ هذا ما ستجيب عنه الأحداث...