أدّى توقّف نشاط بطولة الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم إلى تكبّد النوداي التونسية لخسائر مادية يمكن وصفها بالفادحة كما أن مدة التوقف التي قاربت الثلاثة أشهر أثرت في الدورة الاقتصادية لكرة القدم وعطّلت دواليب الأنشطة الأخرى التي كانت تقوم على هامش هذه اللعبة. هشاشة النظم الاقتصادية للنوادي التونسية جعل الوضع الحالي ينذر بالخطر ومن هذا المنطلق حاولت «الشروق» البحث في هذا الموضوع من خلال الاستناد لتحاليل السيد حسن الزرقوني الأخصائي في الاقتصاد والإحصاء ومدير عام مكتب الدراسات في مؤسسة Sigma conseil والمكلف بالتسويق والاتصال في الملعب التونسي. قدّر السيد حسن الزرقوني خسارة الأندية التونسية ماديا منذ توقف البطولة في 12 جانفي الماضي، بأربعة مليارات ونصف المليار كما تختلف نسب الخسارة حسب الفرق وبالنظر إلى ميزانيتها. فبالنسبة للترجي والنجم فإنّ الخسارة تقدر بمليون دينار في ثلاثة أشهر مقابل 700 ألف دينار للنادي الصفاقسي و500 ألف دينار للإفريقي و300 ألف دينار للملعب التونسي في حين أن الخسارة تقدر ب100 ألف دينار بالنسبة لبقية الفرق. وهذه الأرقام يمكن إحصاؤها باعتبار موارد التمويل بالنسبة للأندية التي ترتكز بالأساس على مداخيل الإشهار ومداخيل الجماهير ومداخيل البث التلفزي إلى جانب الهبات والدعم. أسباب تراكم هذه الخسائر حاول السيد حسن الزرقوني تفسير سبب تراكم هذه الخسائر التي ستؤثر سلبا في مستقبل نشاط النوادي في هذه المستويات: أ) قلّة الاهتمام بالرياضة في تونس: ميزانية الرياضة في تونس تساوي 120 مليارا موزعة على 39 جامعة و700 ناد وهذه ميزانية لا تفي بالغرض ولا تساهم في تطوير الرياضة. عدد المجازين في تونس في حدود 128 ألف مجاز فقط وهي من أضعف المعدلات في العالم وعدد المجازين في كرة القدم 32 ألف مجاز وهذا رقم ضئيل جدا. ب) ضعف التمويل وانعدام التوازن: مبلغ 120 مليارا الذي يمثل ميزانية الرياضة في تونس يتأتى من القطاعين العام والخاص. ضعف التمويل العمومي فالبروموسبور مثلا توفر 14 مليارا وهذا مبلغ ضعيف حيث كان من المفروض أن توفر 20 مليارا لكن تعلم جيدا المسالك التي تصرف فيها بقية المبالغ. عائدات البث التلفزي تقدر بحوالي 5 مليارات فقط، أي بنسبة 3٪ من المداخيل العمومية وهذا رقم يدلّ على ضعف هذاا لتمويل مقارنة بفرنسا مثلا حيث توفر التلفزة نسبة 60٪ من التمويل العمومي للرياضة. عدم استقرار الموارد المالية المتأتية من القطاع الخاص. 90٪ من ميزانية الرياضة مخصصة لكرة القدم و80٪ للرابطة المحترفة الأولى و70٪ ترصد لأربعة فرق فقط وهي الترجي والنجم والنادي الإفريقي والنادي الصفاقسي. السياسة ساهمت في اختلال التوازن حيث تم دعم هذه الفرق الأربعة خدمة لمصالح سياسية. 650 جمعية من أصل 700 جمعية لا تتجاوز ميزانيتها 50 ألف دينار. ج) هشاشة التركيبة المالية للفرق التونسية: انصهرت الفرق التونسية في منظومة الاحتراف دون أن تكون مستعدة لذلك حيث فرض سليم شيبوب هذاالنظام خدمة لمصالحه ودعما للمكاسب المالية التي سيحققها من خلال بيع وشراء اللاعبين. الفرق التونسية لم تكن جاهزة لتطبيق هذا النظام في غياب الموارد البشرية اللازمة وخضوعها لقانون الجمعيات الذي يمنعها من أن تكون شركات خاصة لها موارد مالية قارة ولها نسبة ادخار تجنبها الوقوع في مثل هذه الأزمات كما أن الجمعيات تعيش بطريقة التصرف المالي اليومي وهي طريقة هاوية بعيدة كل البعد عن الاحتراف. وفي ظلّ هذا الوضع وإذا ما تواصلت حالة التعطيل مدة شهر آخر فإن كرة القدم التونسية ستنهار ولن تستعيد عافيتها إلا بعد أربع سنوات. تأثير توقف نشاط كرة القدم في الاقتصاد التونسي يرى السيد حسن الزرقوني أن توقف نشاط كرة القدم لن يكون له تأثير كبير في الاقتصاد التونسي لأن نسبة مساهمة الرياضة في الناتج الداخلي الخام للبلاد، لا تتعدى 0.2٪ في حين تصل هذه النسبة في العالم إلى 1.6٪ و1.7٪ لذلك فإن توقف النشاط سيكون له تأثير معنوي أكثر من التأثير المادي. الحلول المستقبلية سألنا محدثنا عن الحلول الممكنة لكي تستعيد كرة القدم عافيتها قريبا فأجاب من خلال تقسيم هذه الحلول إلى: أ) حلول عاجلة: وهدفها تدارك ما فاتنا في هذا الموسم: استئناف مسابقة البرومسبور بالتوازي مع عودة النشاط نظرا لقدرة هذا المدعم على توفير الأموال العاجلة. عدم التعويل على القطاع الخاص المنهك والمثقل بالمشاكل المادية يجب أن تبرمج المباريات بحضور الجمهور حتى نوفّر بعض المداخيل التفكير في دورات دولية برعاية أكبر الشركات العالمية مستغلين سمعة تونس بعد الثورة وهو ما سيمكننا من ضمان تمويل مادي مهم. ب) حلول على المدى الطويل: تحرير النوادي من قانون الجمعيات لتصبح تدريجيا ذات صبغة تجارية وفي شكل شركات، إما على الطريقة الانقليزية والألمانية (الفريق يتحول إلى شركة) أو على الطريقة الفرنسية (حيث يتم استغلال اسم النادي كعلاقة تجارية في البورصة). تنمية الموارد البشرية العاملة في النوادي عبر التعويل على أصحاب الكفاءات والاختصاص مثل الخبراء الاقتصاديين والأخصائيين في التسويق الرياضي. تكوين هيئة عليا للرياضة تكون مهمتها التدقيق في التصرف المالي للجمعيات لتجنب التمويلات المشبوهة. الابتعاد عن التسيير الهاوي، ومنطق أن الرياضة للرياضيين فالرياضة اليوم هي للمختصين كذلك فمثلا فريق ليون الفرنسي وصل إلى العالمية بفضل مجهودات جون ميشال أولاس الخبير في الإعلامية. يجب أن تتوفر استراتيجية واضحة من قبل الدولة وإرادة سياسية لتغيير جذري في قطاع الرياضة.