بعد أيام قليلة تستأنف الحياة المسرحية نشاطها المعهود، ولعل من أهم التساؤلات التي تطرح نفسها بشدة، كيف ستتمظهر هذه الحياة من خلال الهياكل الدرامية الوطنية الرسمية المنوط بعهدتها تجسيد الممارسة المسرحية في الأقاليم الجهوية الداخلية للبلاد، بالشكل والرقي الذي يليق بما عرفه وطننا من ثورة وتغيير جذري في الآونة الأخيرة؟ ومن يقول الهياكل الدرامية الوطنية يعني بالذات المسرح الوطني والمراكز الدرامية بالجهات (الكاف وصفاقس وقفصة ومدنين) والمركز الوطني لفن العرائس بتونس، فما مدى جدوى وقدرة أدائها الفني؟ وماذا حققت الهياكل من مكاسب للميدان؟ وكيف سيكون خطابها المستقبلي؟ يعرف اسم المركز في علم الهندسة على أنه النقطة التي تكون متساوية البعد عن جميع النقاط في محيط الدائرة، ويحيلنا صدى هذه الكلمة كذلك الى صورة مكان تخفق له نبضات القلوب بشدة عند ولوجه، وتكثر فيه الأوامر والصراخ الممزوج بالضجيج القبيح لجهاز التواصل اللاسلكي، ويقال مركز من التركيز وهو امعان النظر والاهتمام بالشيء طلبا للتثبت في كنهه وفك طلاسمه لتحقيق الغاية، ومن الركيزة وهي العمود والأساس الذي يحفظ بنيان الخيمة ويشد توازنها عند قوم الصحراء. وهنا أتساءل : هل ركزت هذه المراكز هذه المراكز كي تكون ركيزة العمل المسرحي أم مركزا تحكمه الأوامر وسلطة الرجل الأوحد داخل قضبان غياب المشروع وعدم القدرة على التجدد والتحليق من أجل الاشعاع الاقليمي والوطني والدولي؟ لماذا تراجع المردود الفني للمراكز أمام أداء القطاع الخاص عن الرغم من توفر الامكانيات والآليات المادية والبشرية؟ هل لتفشي عقلية ومنظومة «رزق البيليك» به؟ أم لعدم أهلية المشرفين على إدارتها وسوء تصرفهم المالي والفني؟ لقد زرع النظام السابق البائد في جميع الهياكل الوطنية العجز عن استيعاب وتبني منظومة التشاور والحوار والعمل الجماعي، فما بالك في هياكل تعنى بابي الفنون الذي يقوم أساسا على عمل المجموعة وسياسة التداول لضخ دماء وتجارب جديدة فأمسى من خلال هذا الركود وأبدية الاشراف: «حفيد الفنون». يا مديري المراكز الدرامية (الماضون أو الآتون، المنصبون أو المخلوعون، الهاربون او المتلهفون، المجمدون او السائلون)، لا تقربوا مراكزنا الا بمشروع فني واضح واعلموا أن زمن الرجل المشرع والمقرر الأوحد قد ولى وانقضى وحاولوا أن تفهموا لأنكم لم تفهموا ان مركز الاشياء أطهرها وجوهرها في نقطة التقاء المسارات والتجارب بشتى أنواعها، وان المركز تتعارض وتتشابك وتتقاطع فيه كل الاتجاهات، وأن المركز يكون النواة والنواة هي معين الأشياء، فلا تتسابقوا من أجل التشبث بالإدارة، وحذار ان تنقلب عليكم فتصبح «إرادة» فتقض مضاجعكم. ولا تجعلوا مراكزنا مراكز بوليسية الا في مشاهد مسرحياتكم، وعانقوا الشباب بأحلامه وجنونه وبراءة حبه للخشبة، وثقوا به والتفوا حوله كي يكون معكم وبكم أكثر «تركيزا» وأرجوكم لا تزجوا به في سجن نرجسيتكم ومرضكم بعظمة الذات والادعاء بامتلاك الحقيقة الفنية المطلقة، لأنه اذا غضب وقلت حرف الراء بالكاف من «تركيزه»، ستجدون أنفسكم لامحالة على قارعة التاريخ.