أصدرت أمس الدائرة المدنية 28 بالمحكمة الابتدائيّة بتونس، حكمها الاستعجالي في قضيّة حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقا، وقرّرت حلّه وتصفية ممتلكاته وتحويلها إلى أملاك الدولة، وبمجرّد صدور الحكم تعالت الزغاريد والشعارات المندّدة بالدكتاتورية وبالقمع وبالبطش منتصرة للحرية والانعتاق، وقد حضر عدد كبير من المواطنين والمحامين في بهو المحكمة وبشارعي باب بنات و9 أفريل حول مبنى قصر العدالة. منطوق الحكم جاء فيه حرفيا « قضت المحكمة ابتدائيا بحل حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي وبتصفية أمواله والقيم الراجعة له عن طريق إدارة أملاك الدولة وحمل المصاريف القانونية على المدّعى عليه». وقد حملت القضيّة العدد 14332 وصدر الحكم فيها بتاريخ 9 مارس 2011، وقال الأستاذ فوزي بن مراد المحامي المكلّف من قبل وزير الداخليّة إنّ الشعب التونسي تخلّص اليوم من رمز من أعتى رموز الدكتاتورية وأكثرها بشاعة، وقال إنّنا سنتوجّه الى القضاء لمتابعة كلّ من تورّط في الفساد والقمع والقتل ضدّ أبناء شعبنا، واعتبر أنّ موعد 9 مارس 2011 هو موعد تاريخي بحجم الاستقلال وبحجم 14 جانفي، ودعا كلّ التونسيين والتونسيات لمواصلة الثورة والقضاء على كلّ رموز الدكتاتورية وتصفيتها، وقال الأستاذ فوزي بن مراد إنّ ما صدر عن المكلّف العام بنزاعات الدولة يدخل في خانة الانتصار للعهد البائد والوقوف في وجه الارادة الشعبية بحلّ التجمّع، حتّى أنّه لم يقدّم وثيقة التكليف الاّ يوم 1 مارس وبعد أكثر من محاولة، ورفض ذكر اسم التجمّع عندما أورد مصطلح الحل وقال «حل حزب سياسي»، واتهم الأستاذ فوزي بن مراد المكلّف العام بنزاعات الدولة بأنّه مازال ضمن مؤسسات الجذب الى الوراء وقال إنّ العمل على التخلّص نهائيا من الدكتاتورية سيكون عملا مضنيا ومستمرّا. احتفالات بالحل وقد تجمّع عدد كبير من المحامين في بهو المحكمة ورفعوا شعارات تنادي باستقلال القضاء والمرفق العدلي ورحّبوا بحلّ حزب التجمّع واعتبروا تاريخ حلّه لحظة تاريخية فارقة، واعتبر بعضهم أنّ 9 مارس لا يختلف سياسيا عن يوم 2 مارس 1934 عندما أسس بورقيبة ورفاقه الحزب الدستوري الجديد في سياق سياسي مناهض للاستعمار ولا يختلف عن 20 مارس تاريخ الاستقلال التونسي عن الاستعمار الفرنسي. كما تجمّع عدد كبير من المتظاهرين الذين انطلقوا في مسيرات مؤيّدة لحكم المحكمة بحلّ التجمّع وجابوا أروقة المحكمة وبهوها الداخلي الواقع بالطابق الأوّل لقصر العدالة ثمّ خرجوا عبر المدرج الرئيسي الى البهو الخارجي وانطلق الاحتفال بحلّ حزب التجمّع وسط الزغاريد والأهازيج والغناء ورفع الشعارات المندّدة بالدكتاتور بن علي والدكتاتوريّة وبالتجمّع وكان الشعار المركزي «يسقط جلاّد الشعب يسقط حزب الدستور». وقال الأستاذ سيف الدين مخلوف المحامي، إنّ التجمّع هو حزب لقيط لا يمت بصلة لحزب بورقيبة ولا لحزب الثعالبي وهو حزب ليست له جذور تاريخية بل كانت انطلاقته منذ 1988 تاريخ مؤتمره الأول الذي سمي مؤتمر الانقاذ وانتهى بمؤتمره الأخير الذي سمي مؤتمر التحدّي، وهو المؤتمر الخامس أي أنّ حزب التجمع فصل سلوكا وممارسة ورؤية وتاريخا مع الحزب الاشتراكي الدستوري ومع الحزب الدستوري سواء الجديد أو القديم، لذلك فإنّه لا يمكن للتجمع والقائمين عليه الادعاء بأن حزبهم ساهم في حركة التحرر الوطني أو في تحرير البلاد من براثن الاستعمار، بل إنّ دوره اقتصر على قمع الشعب على مدى ثلاثة وعشرين عاما منذ حكم بن علي ولم يتجاوز كونه الذراع الأمنية والمخابراتية لرعب الشعب وارهابه. حق الشعب التونسي الأستاذ فوزي بن مراد قال إنّ للتجمّع تركة مالية وعقارية ضخمة، أصبحت الآن ملكا للشعب التونسي الذي سيستعملها لفائدته ولصالح الوطن والثورة، وأضاف بأنّ مقرّه العملاق يمكن أن يكون وزارة أو مقرّ للجمعيات أو محكمة دستورية، وانتهى عهد النهب والاستيلاء على مقدّرات هذا الشعب العظيم. وقال ردّا على بعض المحامين الذين شكّكوا في الإجراءات القيام القانونية لحلّ التجمّع، إنّ القضاء هو الذي ردّ على ذلك، واضاف كنت مطمئنّا وهادئا لأنني متأكد من سلامة الاجراءات التي اتبعتها. يشار الى أنّ وزير الداخلية أصدر قرارا بتاريخ 6 فيفري 2011 يقضي بوقف أنشطة التجمع الدستوري الديمقراطي، وإغلاق كل مقرّاته في انتظار حلّه قضائيا، وقام بالاجراءات القانونية وتمّ تكليف المحامي فوزي بن مراد برفع القضيّة أمام المحكمة الابتدائية بتونس، وتمّ تعيين جلسة أولى يوم الثاني من مارس 2011 خصصت للمرافعات وكان المحامي المكلّف من قبل وزير الداخلية قد رأى بأنّ التجمّع هو حزب لقيط ليست له جذور تاريخية، وقال في مرافعته إنّ هذا الحزب خالف مقتضيات قانون الأحزاب بعد أن تورّط في ممارسة العنف اضافة الى عدم الإبلاغ عن التغييرات التي أجراها بعد طرده لزين العابدين بن علي وصخر الماطري وبلحن الطرابلسي وبعد ان قدّم بعض الوزراء السابقين استقالاتهم، والحزب في هذه الحالة مطالب بابلاغ وزارة الداخلية في آجال قانونية وهو ما لم يقم به وهذه مخالفة صارخة لقانون الأحزاب كما جاء في مرافعة الأستاذ فوزي بن مراد أنّ التجمّع ارتكب جريمة أخرى عندما لم يقم بالتصريح أمام دائرة المحاسبات بجميع المداخيل والمصاريف المالية التي لديه، فضلا عن تورّطه في ارتكاب عمليات نهب كبيرة، وقال المحامي إنّ حلّ التجمّع ليس مطلبا قانونيا قضائيا فحسب بل هو مطلب ثوري شعبي، وقد قال الشعب كلمته عندما هاجم مقرّات التجمّع، والشعب أعطى موقفه منذ البداية، وطلب على أساس كلّ ذلك من هيئة المحكمة اصدار حكم بحلّ حزب التجمّع. محامو التجمع فيما حضر خمسة محامين للدفاع عن هذا الحزب وهم الأساتذة عبير موسى وسعاد خلف الله ومنتصر بوزرارة وسامي الجميّل ومروان الفيلالي. ودخلوا في خلاف وصراع فيما بينهم وسط ذهول زملائهم واستغراب المحكمة وكان كلّ طرف منهم يتهم الآخر بالتورّط، الاّ أنّ المرافعات تمحورت خصوصا حول الطلب «من رئيس المحكمة الابتدائية بتونس في حق المكلف العام بنزاعات الدولة في حق وزير الداخلية حل حزب التجمع على أساس الفصل 19 من القانون المنظم للأحزاب السياسية، وأنّ المكلف العام صرّح بتاريخ 25 فيفري 2011 أنّه يرفض قبول النظير وامتنع عن تسلّم نسخة من التقرير المرافق، وعلل المكلف العام بنزاعات الدولة رفضه بأنه لم يقم بالقضية المتعلّقة بحل حزب التجمّع، وعلى هذا الأساس يعتبر المحامون المدافعون عن التجمّع أنّ المكلّف العام لم يرفع قضيّة ضدّ التجمّع وأنّه بالتالي لم يكلف المحامي فوزي بن مراد لنيابته أمام القضاء، وطلبوا على أساس عدم وجود التكليف برفض المطلب شكلا وعرض القضيّة على النيابة العموميّة...» الاّ أنّ الوثيقة الغائبة التي استند عليها محامو التجمّع تمكنت «الشروق» من نسخة منها ونشرتها يوم 3 مارس، وكانت الوثيقة التي أدّت الى إسكات صوت المدافعين عن التجمّع وبالتالي تمهيد الطريق القانونية لحلّه. عشرة أيام للاستئناف، فهل يوقف التنفيذ؟ أمس تواصلت الاحتفالات أمام قصر العدالة حيث تمّ ذبح خروف احتفالا بحلّ التجمّع في لحظة تاريخية ستظلّ عالقة بذاكرة كلّ التونسيين وكلّ أحرار العالم، لتنتهي بذلك حقبة عانى خلالها ومنها الشعب التونسي بكلّ فئاته من القمع والاستبداد والنهب الذي أشرفت عليه عصابة بن علي بمباركة ومساعدة وتنفيذ أحيانا من ميليشيات هذا الحزب الذي يوصف بأنّه مافيوزي. يشار الى أنّه يمكن للمحامين النائبين عن حزب التجمّع استئناف هذا الحكم الابتدائي لدى محكمة الاستئناف، في أجل أقصاه عشرة أيام، كما يمكنهم طلب توقيف تنفيذ الحكم، الاّ أنّه حسب مصادر قانونية فإنّ ايقاف تنفيذ الحكم غير ممكن لأنّ الحزب في حالة انحلال من جهة وفي حالة تجميد بقرار من وزير الداخلية، وقد قالت الأستاذة عبير موسى المحامية المدافعة عن التجمّع إنّ الفصل 23 من قانون الأحزاب يخوّل لهم حق الطعن بالاستئناف في ظرف أقصاه عشرة أيام وإنّ الاستئناف في هذه الحالة يوقف التنفيذ وقالت «نحن لسنا في حاجة لتقديم طلب في توقيف التنفيذ مادام الاستئناف يقوم بذلك» وأضافت مبدئيا مادامت المحكمة قضت بالحل فلا شكّ أنها تجاوزت الطعن الشكلي الجوهري الذي تمسّك به نائبو التجمّع وهي صفة القيام التي اسندت للمحامي الأستاذ فوزي بن مراد، وعن الوثيقة التي كلّف من خلالها المكلّف العام بنزاعات الدولة الأستاذ بن مراد قالت الأستاذة عبير موسي إنّها صادرة بتاريخ 1 مارس 2011، أي بعد القيام بالدعوى وبعد اجراءاتها وقالت انّه لم تتم اضافتها الى ملفات القضيّة وإنّ المحكمة لم تتطلع عليها, مع الاشارة الى أنّ الاجراءات المتعلّقة بالأحزاب السياسية في هذا الصدد هي اجراءات مبسّطة، لا يتجاوز فيها الحكم الابتدائي والاستئنافي والتعقيبي الشهرين، وبذلك فإنّ مصير هذا الحزب سيتحدّد بشكل نهائي وبات قبل منتصف شهر ماي المقبل.