تقسو علينا الدنيا أحيانا فتسمو بنا ويرتفع معها سقف طموحاتنا ثم تهوي بنا فجأة دون سابق انذار محطّمة آمالنا وكاتبة نهاية سوداوية لمسيرة كانت لتكون وردية.. هذا الكلام ينطبق على العداء التونسي السابق فخر الدين الدامرجي الذي تقمّص في الثمانينات والتسعينات زي المنتخب الوطني قبل أن يتعرض لاصابة لعينة أنهت رحلة التألق قبل حتى أن تبدأ. «الشروق» التقت به في لقاء تحدث فيه بحسرة وتأثر كبيرين عمّا حدث له وعن التجاهل الذي واجهه. ألقاب تغني عن كل تعريف.. في البداية طلبنا من فخر الدين الدامرجي تقديم نفسه فذكر أنه من مواليد 4 جوان 1970 وقد بدأ مسيرته الرياضية كعداء مع نادي ألعاب القوى بنابل وتألق منذ الصغر في الأصناف الشابة فكانت بدايته مع المنتخب الوطني للأصاغر منذ سنة 1984 وتوج بطلا لتونس في المسافات الطويلة طيلة أربعة مواسم متتالية في صنفي الأصاغر والأواسط. كما تحصل سنة 1989 في دمشق على البطولة العربية للأواسط وكذلك في سنة 1990 في القاهرة. وأضاف الدامرجي أنه انضم خلال موسم 1990 1991 الى نادي الحرس الوطني لألعاب القوى وواصل تألقه فكان بطل تونس موسمي 1990 1991 و1991 1992 في صنف الأكابر في مسابقة 10 و12 كيلومترا. كما شارك في عدّة ملتقيات وسباقات دولية في فرنسا وبالرمو وسكرة وبجاوة بالجزائر. أما أهم سباق شارك فيه فكان خلال سنة 1992 بملعب محمد الخامس بالدار البيضاء أمام 40 ألف متفرج وتحصل خلاله على المرتبة الثانية خلف البطل العالمي خالد السكّاح. ماي 1993: بداية المعاناة طلبنا من الدامرجي أن يحدثنا عن ظروف الحادث الذي تعرض له. فأجابنا بصوت بدت عليه علامات التأثر أنه قبل يوم واحد من التحول الى فرنسا يوم 9 ماي 1993 للمشاركة في تربص تحضيري للألعاب المتوسطية التي دارت سنتها في نفس المكان، كان بصدد التدرب بمفرده بمسلك فلاحي بنابل وفجأة داهمته سيارة من الخلف وحكمت عليه أن يصاب في كلتا ساقيه فأصبح معاقا عاجزا عن الحركة إلاّ بعكازين وانقلبت حياته رأسا عقب. الدامرجي أكد أنه كان قادرا بشهادة الجميع بمن فيهم أسطورة تونس محمد القمودي على تحقيق ميدالية على الأقل في الألعاب الأولمبية لولا أن شاءت الأقدار أن تنتهي مسيرته إثر ذلك الحادث الأليم. الجميع تنكرّ لي بعد اصابته تمّ إيواؤه بالمستشفى العسكري بتونس لمدة 3 أشهر لم تتدرج خلالها صحته نحو الشفاء حيث أصبح معاقا، ومنذ ذلك الوقت وهو يعيش تجاهلا تاما رغم ظروفه الصعبة التي دفعته الى العيش في منزل والده مع زوجته وبناته الثلاث. ويقول فخر الدين الدامرجي إنه لولا مساندة عائلته له لكانت أموره أكثر سوءا حيث لا يمتلك موردا قارا بعد أن انقطعت عنه جراية الحرس الوطني منذ عام 1999 إثر تعرضه لأزمة نفسية حادة جراء الحادث الذي تعرض له مما دفعه لترك العمل (وقد عاد في الساعات الأخيرة الى نفس سلك الحرس الوطني). كما أن زوجته عاطلة عن العمل منذ 10 سنوات ولم تجد شغلا وهي تحمل إجازة في الصحافة. وفي نفس الاطار يروي الدامرجي ما أسماها «بالطرفة المبكية» التي وقعت له مع يونس الشتالي رئيس جامعة ألعاب القوى.. ويروي الدامرجي أنه لبّى دعوة من أسطورة تونس محمد القمودي لحضور أحد ملتقيات ألعاب القوى وتكريمه.. وعند مشاهدته لسباق من السباقات لم يتمالك نفسه فأجهش بالبكاء وعادت به الذاكرة الى سنوات التألق.. فما كان من السيد يونس الشتالي إلاّ أن سأله «لماذا تبكي يا دامرجي»؟ رغم علمه بما يعانيه وما يقاسيه وهو ما مثل حسب الدامرجي تجاهلا صارخا لانجازاته وتضحياته لتونس. نداء لمساعدته في محنته ألحّ الدامرجي على توجيه نداء لكل من يهمه الأمر من مسؤولين في وزارة الرياضة والجامعة التونسية لألعاب القوى وكذلك الحرس الوطني بحكم انتمائه إليه من أجل مساعدته والوقوف بجانبه خاصة وأنه أب ل3 أطفال ولا يمتلك مورد رزق قار. كما أن زوجته لا تشتغل. الدامرجي ملّ الوعود التي تكرّرت على أسماعه أكثر من مرة وكان متأثرا جدا وهو يقول في الختام بالحرف الواحد: «لقد قدمت الكثير لتونس وتحدّيت الظروف الصعبة حيث لعبت وسط الثلوج والصحارى من أجل رفع راية تونس ومن حقي الحصول على تعويض لكل ما عانيته». في الختام ونحن نعيش هذه الثورة المباركة.. يصبح من العيب علينا كتونسيين الشكر لمن ضحى في سبيل هذا الوطن ورفع رايته عاليا.. ولا نشك لحظة واحدة في أنّ نداءنا هذا سيصل الى كل من يهمه الأمر من أجل إرساء قيم التعاون والرحمة والتحابب التي تبقى أسمى من كل شيء آخر.