تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصغيّر أولاد أحمد ل «الشروق»: الثورة قصيدة تبني سياقها بشروط
نشر في الشروق يوم 14 - 03 - 2011


٭ أجرى الحوار : عبد الحليم المسعودي
إنه الصغير أولاد أحمد... من الشعراء القلائل في تونس الذين تعنيهم هذه الثورة التونسية قبل حدوثها, وتعنيهم أكثر بعد حدوثها. ولعل مجرد اليأس منها قبل حدوثها هوعلامة من علامات التنبؤ بها , فاليأس منها إقرار بالحاجة إليها. وأولاد أحمد ليس لديه معجزة ولا مشكلة, إنه ليس بالنبي وليس بالرّائي بل هومجرد شاعر برتبة تونسي موغل في حب البلاد... حين طلبت منه هذه المحاورة اشترط عليه أن لا يكون هذا الحوار محمولا على التباكي وعلى الشكوى ولا أن يكون ترويجا للنرجسية القاتلة ولا أن يكون هذا الحوار تصفية للحسابات الصغيرة للشارع الثقافي المسكون باللؤم والخيانة.
وفي هذا المقام لا يحتاج أولاد أحمد للتقديم فهوبذكائه الفطري ودهائه البدوي قد عرف كيف يروّج لنفسه, وكيف يكون دائما في قلب الحدث الشعري والسياسي والنضالي... لكن أولاد أحمد الشاعر قد انتصر في نهاية الأمر على قامعيه ومسكتيه وعلى الذين حاولوا شراء ذمته وشراء صمته , ولأنه كبطل قصّة ستيفن تزفايغ Stefan Zweig «لاعب الشطرنج» استطاع أولاد أحمد ببراعة فائقة تضليل مناوئيه بالاختفاء الدائم في القصيدة وفي ابتكار تلك الفخاخ التي يتفوّه بها في لحظات السّخرية واليأس والغضب القاتم وهي عبارات الحكمة والجنون التي تسموبه إلى مقامات أجداده الرّعاة في سيدي بوزيد الذين يئسوا من النبوة ومن وعود الحكام الواهية المتعاقبين على البلد... يكفيه فقط أنه كتب بيتا في حب البلاد يتردد كالنشيد , لعله النشيد الذي وعد به في «نشيد الأيام الستة»... إليكم هذا الحوار على عواهنه.
٭ كيف يفسّر أولاد أحمد استحواذ السّياسيين ومحترفي السّياسة على المشهد الإعلامي والسّمعي البصري في حين غاب تماما الكاتب والمثقف والمبدع عن هذه الصّورة وكأن الأمر مسألة أولويات يحتل فيها هذا المبدع المرتبة الأخيرة؟
هذا بالضبط ما لحظته وشهّرت به منذ 14 جانفي, لكأنّ هناك إستراتيجية إعلامية مكتوبة ومرئية ومسموعة محلية وعربية تعمل على فرض أوإبراز شخوص سياسية بعينها لتقديمها كبدائل للمرحلة القادمة , أعرف أن كمية لا بأس بها من الكتاب والمثقفين والمبدعين التونسيين كانوا ذراع بن علي وعصا التجمع, لكن نبشا خفيفا في الأرشيف القريب زمنيا يبين لنا أن الصمت العام الذي دام لمدة 23 عاما لم يكن يقطعه سوى أقلام بعض الكتاب وإنتاج بعض المبدعين وتحاليل بعض المثقفين, هؤلاء على قلتهم فرضوا هامشهم للحرية الذي لم يكن بمقدور الرّقابة والتعطيل الممنهج أن تخفّف من وضوح شعاره المعلن: «الحريّة هنا والآن».
لقد كانوا شرارة الثورة غير المرئية, لقد كانوا بمثابة الجمر تحت الرّماد... الجمر الذي سينفخ في جذوته شباب الحوض المنجمي وبن قردان ثم شباب سيدي بوزيد والقصرين وتالة والكاف وباقي مدن الجمهورية , فيحتضنه الشّعب معلنا قطيعة تامة ونهائية مع النظام الرئاسي ذي الصلاحيات الإلهية الذي تداول عليه الحبيب بورقيبة وبن علي. وتلك القطيعة سميناها جميعا ثورة, ولأنها ثورة حقيقية ومؤسسة فقد زحفت على المنطقة العربية برمتها وهذا سبق ليس غريبا عن التوانسة إذا ما تأملنا في تاريخهم الطويل.
٭ أذكر أنك غداة الثورة وفي حصة تلفزيونية في قناة «نسمة» أدارتها الصديقة والزميلة ريم السعيدي, كنت قد أشرت إلى أن حضورك في هذه الحصة الفريدة ممثلا للقيادة الشعرية للثورة التونسية, فإلى أي مدى يمكن أن يكون صوت الشاعر حاضرا في مستقبل الثورة وهو المغيب بوصفه (أي الشاعر أوالمبدع) شخصية اعتبارية مثلما يدعو مؤخرا إلى حضورها رئيس لجنة الإصلاح السياسي عياض بن عاشور؟
أسكن في رادس الغابة. حين احترق محمد البوعزيزي كنت أرى من شرفتي وعلى بعد 230 كلم شرارة الثورة, فمنذ ذلك اليوم (17 ديسمبر 2010) قررت أن ألازم بيتي, وأكتب وأدون يوميات الثورة. وأن أجنّد شعراء وكتاب العالم الذين أعرفهم من أجل الدّفاع عن الثورة التونسية. سميت غرفتي الصغيرة: «القيادة الشعرية للثورة التونسية: هيئة الأركان», كنت وحدي ولم يكن معي شعراء تونسيون آخرون لأن أغلبهم لا مصلحة له في الثورة.
القيادة الشّعرية تسمية لم تأت من باب الزّينة الأسلوبية بل أتت تأكيدا على أن مطلب الثورة ذاته كان مطلبا شعريا «إذا الشعب يوما أراد الحياة», «الشعب يريد إسقاط النظام»..., أقصد أن الشعب أعاد ترتيب الأولويات جاعلا الإرادة سابقة لأي سياسة أوثقافة لا تليق بالحياة الجديرة بالحياة.
تحقير الأفراد بوصفهم مواطنين والشعراء باعتبارهم رائين وكأنهم غربان حرية عادة تونسية أسّسها بورقيبة بسخريته من الشّابي ومن الحامي والطاهر الحداد وأصلها العهد الإنجيلي (العهد الجديد ) وواصلتها حكومتا التجمع الدستوري ملخصة في شخص محمد الغنوشي, ثم واصلتها لجنة الإصلاح السياسي باقتصارها على ثلاثة زملاء من الأكاديميين الذين لم ينتبهوا إلى أن جميع الدساتير والقوانين إنما تصاغ باللغة , بإمكان هذه اللغة أن تأبد دستوريا حكم الرئيس إذا لم تكن مصاغة في شكل دقيق, وهذه الدّقة لا تضمنها إلا اللغويون والشعراء منهم بالخصوص.
ويبدو أن اللجنة أي لجنة الإصلاح السياسي التي أضاعت كثيرا من الوقت الثمين لكراء محل عوض أن تستجمع معارفها السّابقة بالقانون يبدوأنها انتبهت إلى توسيع الفاعلين فيها باعتبارهم فاعلين في المجتمع والثورة كشخصيات اعتبارية. بعد أن بادرت شخصيا بمعية مجموعة من المكتوين بنار اللغة بالضغط في الفايس بوك (بوصفها جريدتي الوحيدة) والتنبيه إلى خطورة الاستهانة بعنصري الزمن والمعنى في الخطاب السياسي.
المثال الأكثر سطوعا على ما قلته هوأن شباب القصبة لم يفك إعتصاماتهم الضاغطة المتتالية إلا حين أجبر الخطاب السياسي على احترام اللغة في معناها وفي زمنها : مجلس تأسيسي يوم 24 جويلية.
فهل كنا في حاجة لذلك الترويع وذلك التعطيل وذلك العنف وذلك الانفلات الأمني, والأمر كان يحتاج إلى مجرد جملة بسيطة وصحيحة يمكن تصديقها وهي مرة أخرى:
«مجلس تأسيسي يوم 24 جويلية».
٭ زميلة في الجامعة قالت لي هذا الصباح بجدية: «أثبت الشعب التونسي أنه قادر على تصريف شؤون حياته بنفسه دون رئيس بناء على تجربة الأيام الفارطة أي منذ الثورة إلى اليوم»... وها أنك يا أولاد أحمد تعيد قبل إجراء حوارنا هذا نفس المقولة , كيف يمكن أن نطوّر هذا الكلام بوصفه تأمّلا في الشخصية التونسية وقدرة هذا المجتمع على نحت مصيره أم أن هذا الكلام - المقولة هومن باب الطوباوية وخطاباتها؟
منذ 14 جانفي والثورة التونسية تواصل فرادتها أي خصوصيتها , وتقوم هذه الخصوصية على إخلالات جسيمة بالدستور وبالقوانين وبالمتعارف عليه, وكان كل إخلال يعتبر نصرا للشعب الثائر بمعنى أن احترام الهياكل والنصوص السابقة للثورة كان يعتبر خيانة. وهذا المعنى أي معنى الخيانة هوتعريف الإبداع ذاته, إذن الثورة التونسية تبدع نفسها : قيما ومطالب وحراك استحقاقات تتدارك ما فاتها من الزمن الضائع.
إن هذه الثورة لا نسب لها سوى ما ستمنحه لنفسها من ذات وصفات, إنها بنت نفسها, إنها قصيدة تبدأ بكلمة ثم بجملة وتبني سياقها بشروط. وقد تؤجل هذه القصيدة أوتغدر أولا تتم أصلا إلى أن يجد مبدعها شروط نسقها الكليّ. والنسق هنا ليس دائما معلوما كما هوالحال في الأيديولوجيا أوفي الكتب السّماوية أوفي الأنظمة السّياسية الكليانية التي شعارها « مدى الحياة ومدى الوراثة».
منذ 1984 سنة حجزت مجموعتي الشعرية الأولى «نشيد الأيام الستة» قررت أن أسمي الشعب التونسي: «الشعب التونسي الشقيق» ذلك أنه رغم الظلم المسلط عليه والقهر المصوب إليه والكذب الدستوري المنزل عليه إفكا وبهتانا, ورغم انتفاضاته الدائمة لم يجد طريق خلاصه دفعة واحدة من آليات السلطة والتسلط, الآن باستطاعتي القول أنه حان الوقت بالنسبة للشاعر والمبدع عموما أن يحقق قطيعته مع نفسه, وأن ينقطع عن أداء وظيفة التحريض إلى اجتراح طريقة في الوجود وأفق للتجاوز.
٭ تكاد تجمع النخب الغربية عن حيرتها في اتجاه توصيف الثورة التونسية وفهم طبيعتها بعد أن شاهد العالم استتباعات الثورة التونسية في المنطقة, لقد وجد الخطاب الغربي المتعالي تجاه الثورة التونسية (باعتبارها ثورة تحدث في الجانب الجنوبي من العالم) في تسلل كامل فيما فضحت الثورة في نفس الوقت مدى تواطؤ هذا الغرب بشكل كلي في معاضدة الأنظمة الاستبدادية, كيف ترى هذه المسألة, وأنت القادم بشكل رمزي من منطقة الحريق التونسي سيدي بوزيد؟
أثناء الثورة التونسية وخلالها. قلت لك يا عبد الحليم أنها لم تكتمل بعد إذا لم تصل إلى أهدافها, أجريت عدّة حوارات مع إذاعات وتلفازات وجرائد أوروبية وغربية ونبهت إلى أن الغرب السّياسي الحاكم كانت مصلحته المباشرة في إطالة عمر الأنظمة الحاكمة عندنا. وقلت أن برلسكوني وسركوزي مسؤولان شخصيا عن القتل الذي حدث في تونس أثناء الثورة , قلت أيضا أن الثورة التونسية ألقت باعتبارها أسرع وأنظف وأوضح ثورة ستعمّ العالم العربي وستعود إلى أوروبا , أوروبا التي علمتنا مبادئ الثورة ثم تجاوزتها إلى الإستعمار المباشر وإلى الهيمنة الإقتصادية والثقافية.
النخب الحاكمة في أوروبا وفي الغرب عموما أي في البلدان المهيمنة على مصير البشرية كانت تعتبر الأنظمة الاستبدادية العربية صمام أمان ضد مجيء المتطرفين خدمة للنظرية الأمنية والتي هي في الحقيقة نظرية لحماية المصالح الإقتصادية.
أثبتت الثورة التونسية وأخواتها العربيات القادمات أن هذه النظرية لا أساس لها من الصحة. هنا أسأل الرئيس الفرنسي ساركوزي هل قرأ نص الماركيز دي ساد «أيها الفرنسيون مزيدا من الجهد إذا أردتم أن تكونوا جمهوريين» وقد كتبه عام 1791 وأسأل برلوسكوني الإيطالي إن كان مطلعا على أنطوني غرامتشي أكثر من النخب التونسية ؟ أنطونيوغرامتشي الذي قال عنه موسوليني: «امنعوا هذا الرأس من التفكير لمدة عشرين سنة». حين أردنا نحن التونسيين أن نردّ إلى أوروبا قيمها الثقافية والفكرية التي تأسست عليها ثوراتها هي واجهتنا بالجحود .
التطرف الديني الذي يسمى إرهابا والذي توج بالحادي عشر من سبتمبر وحسب تسريبات ويكيليكس, وما نعرفه نحن ساهمت الأنظمة الغربية في ابتداعه وفي تمويله وفي انجازه.
كيف يمكن للرأسمالية أن تهيمن على مقدرات البشرية إذا لم تفترض كذبا أن أمنها مهدّد. نظرية الأمن هي المعادل اللغوي للاستعمار الجديد المعولم ذي الرّهانات الإقتصادية كرهان نهب وابتزاز. إن التطرف الديني نظرية غربية محضة بما فيها التطرف الديني الذي يهمّنا نحن العرب والمسلمين. فيما يخصني كشاعر أعرف أن جميع اللغات سبقت الأديان, أي أن جميع الشّعراء سبقوا الأنبياء, باستطاعتي القول مثل سيغموند فرويد أن أي إنسان مؤمن ويريد فرض إيمانه على بقية الناس هومريض نفسي يتوجب نقله إلى أقرب مستشفى عقلي.
سي عبد الحليم , ونحن ننقد الأنظمة الغربية لا يجب أن ننسى أن الثورة التونسية ما كانت لتتحقق لولا جالياتنا في أوروبا والعالم ولولا أحرار العالم الغربي الذين صنعوا ثوراتهم في بلدانهم منذ أكثر من قرن. إذا فالثورة التونسية هي إنجاز ثقافي كوني. إنها ثورتهم أيضا.
٭ قرأت لك في جريدك التي لذت بها وهي جريدة ال«فايس بوك» وأنت لا تزال ممنوعا من الكتابة إلى حد هذه اللحظة في الصّحف التونسية والظهور في التلفازات الوطنية التونسية, ما نصه «حين نطالب بعدم التدخل الأجنبي في ثورتنا وفيما يريده الشعب... فإن نقصد بذلك أيضا التدخل السّماوي»... ماذا تقصد أولاد أحمد بالتدخل السّماوي؟
أقصد أمرا وإستراتيجية تونسية وعربية وإسلامية بالتحديد, لم تسلم منها سوى الدولة التركية. قال بورقيبة: «أنا مدى الحياة» وكذب, وقال بن علي «لا مجال للرئاسة مدى الحياة» وكذب وهرب, وما يقترحه راشد الغنوشي وحزب التحرير هوأكثر سوءا.
أفسر للقارئ الذي يفهم في الجريصة وفي الرقاب وفي لمطة أن راشد الغنوشي وتنويعاته يعتبر نفسه نزلا من الغلاف الجوي أي فوق الصّواريخ والطائرات ليبشر التونسيين بالرّسالة الجديدة. ومع أن النبي محمد صرّح بأن الله لم يعد ينزل القرآن بعد اكتماله فإن السّيد راشد الغنوشي ذهب إلى وزارة الداخلية التونسية وتحصل على تأشيرة حزبه بفضل الثورة, وعوض أن يشكر السيد الراجحي وزير الداخلية وشباب تونس وشهدائها اللذين مكنوه من العودة من السلفية الوهابية والدعم السوداني والجزائري والخليجي ومن القذافي الذي اقترحه كبديل لبن علي فإنه لا يزال يعتبر نفسه مسؤولا على إيمان الناس أوكفرهم , نقول له فقط إن تونس فيها ابن عاشور ومحمد الطالبي وهشام جعيط وحمادي الرديسي وعبد المجيد الشرفي.
حليم... هذا الحوار أتعبني, كأنك تريد أن تستثمر فيّ البعد الفكري والجهد التنظيري, وأنا لا أدعي أنني على مقدار ذلك. الصدق أقول لك:
الأمة العربية التي أصيبت بالثورات ولا شفاء لها منها الآن كان في الحقيقة سبب تخلفها هوكثرة العروبة والإسلام. دون محتوى يعطي للإنسان قيمته في الحياة والمواطنة , ويعفيه من حقه في الإختيار : الدخول لجهنم مثلا أوالجنة.
وبذلك أعتبر الديانات , جميع الديانات غير ديمقراطية بالمفهوم الذي تطمح إليه الشعوب المطالبة بحرياتها. إن الذي يتكلم باسم الدين يشبه الذي يقول: «أيها الشعب لا تتكلم فأنا وسيط بينك وبين الله». هذا الصنف من السياسيين الذين يعانون من عقد شخصية تتعلق بالطفولة بالمعنى الفرويدي لهم أخطر على البلد من التدخل الأجنبي, لأنهم لا يفكرون بل يكفرون والتكفير يحتاج إلى القتل وإراقة الدماء وإلى الدكتاتورية التيولوجية, فيما أن التفكير يحتاج إلى المشترك وإلى الإبداع لإنتاج حياة جماعية متوازنة وقابلة للاستمرار وللتعايش مع شعوب أخرى.
٭ هذا التدخل الذي تسميه «سماويا» وهو تجريديا تدخل عمودي يحيل كما بينت على الخطاب الديني , ولكن هناك أيضا تدخل في الثورة على الأقل على المستوى الأفقي لا يخلومن دغمائية وحب شغوف للتسلط على مستوى الأيديولوجي, أقصد هنا خطاب جزء اليسار, والذي نراه مسكونا بالمضاربة وخاليا من أي تمش عملي لمطالب الثورة, كيف ترى ذلك؟
الاعتقاد يكون دينيا أوأيديولوجيا, ماركسيا قوميا عربيا , في حالة لبنان طائفيا, الاعتقاد هوفعل ضد التفكير دائما مهما كان مأتاه, الاعتقاد الراسخ مرض عضال: أخطر من سيدا أي فقدان المناعة المكتسبة. الفكر شغله الأساسي إعطاء الإنسان ما يثبت كينونته وصيرورته, والحرية هنا في الهنا المسمى «حياة» لا تُقايض بأية معلومات سابقة عنها. الدين مجرد إخبار. الثقافة مجرد استنتاج , الفكر مجرد تكثيف كلها طموحات الكائن. الكائن الذي استنجد منذ قرون بالخرافة والدين والأيديولوجيا والشعر والتراجيديا والدساتير لكي يجد نفسه في النهاية عبدا لما يظن أنه إنتاج فكري ضخم.
المسألة الآن نعيش أولا نعيش, وليس مسألة شكسبيرية وجودية أكون أولا أكون, الشعار الأساسي هو «خبز حرية كرامة وطنية». في هذا المستوى يستوي أصحاب الأيديولوجيا سواء كانوا وباللهجة التونسية خوانجية أويساريين.
لاحظ يا حليم أن أصحاب الأيديولوجيات وليسوا أصحاب النصوص التي لم تبدع بعد قد تحالفوا مع بعضهم, كما أن أصحاب النظام الساقط قد تحالفوا معهم في حين أن الشعب الثائر لا يتحالف إلا مع ما سيصير إليه.
إذن المسألة الأيديولوجية في الثورة التونسية , مرتكزة على الدين أوعلى القومية أوعلى الماركسية , هي شغل أجيال ناضلت سابقا وعانت غير أنها تستكثر اللحظة على الزمن. زمن الثورة التونسية لا يحتمل أي ذاكرة وأي بطء في التأمل.
وأصارحك بأمر , يهم خبرتي كمنشط ثقافي منذ 33 عاما أن هذه الثورة لها ميزة أخرى في آخر تعداد للسكان في تونس تبين أن نسبة الشباب بلغت حوالي أكثر من خمسين في المائة , وهذا ما يجعلني أستنتج أنه أمام القهر والقمع الذي سلط على الآباء, الآباء الذين ناضلوا منذ الخمسينات والستينات وصولا إلى الثمانينات إن هذه الثورة إنما هي قصاص لآبائهم , بل هو أفضل هدية تصل الأجيال ببعضها من ثورة علي بن غذاهم إلى اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.