مراد علال من مواليد تونس العاصمة، زاول تعليمه في المعهد الصادقي قبل سفره لفرنسا لدراسة علوم الإقتصاد، ومارس غالباً أعمالاً خاصة إلى جانب نشاطه الجمعياتي في فرنسا والذي استحوذ على قسط كبير من حياته، شارك في تأسيس «جمعية التونسيين في فرنسا» و«المنتدى المدني الأورومتوسطي» ثم «المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» والذي كان رئيسه خميس الشماري، و مراد أمين المال والسيد الطيب البكوش عضواً في مجلس الإدارة، ساهم في العديد من الهيئات الفرنسية مثل «صندوق العمل الإجتماعي» الذي كان يعتني بالمهاجرين، كذلك نشط ضمن «الوكالة الفرنسية للعلاقات والثقافات» وهو أول مهاجر يشارك في لجنة صياغة المخطط الحادي عشر للدولة الفرنسية، إلى جانب تأسيس منبر المنظمات الغير حكومية، هو اليوم في تونس بعد الثورة ليشارك في إنطلاق مشروع «الجبهة المدنية الديمقراطية» والتي يشرف على تأسيسها السيد الحبيب قيزة ضمن أعمال جمعية محمد علي الحامي. يمكن أن نخسر ما تحصلنا عليه إذا لم يكن هناك قطب ديمقراطي حداثي مدني. كمواطن تونسي في الغربة كيف كان إحساسك أثناء الثورة؟ حتى أكون نزيهاً، فاجأتني الإنتفاضة الشعبية من ناحية حجمها وقوتها وصلابة مقاومتها، كما فاجأني الدور الطلائعي الذي لعبه الشباب فيها، شباب حسبته ناقص الوعي السياسي، وعازفا عن كل إلتزام جدي، ومن جهة أخرى غمرتني طبعاً فرحة لا مثيل لها، حين سمعت قرار خروج بن علي من تونس، كان ذلك بمثابة تحرر من كابوس عشته كبقية فصائل الشعب التونسي , اليوم وبعد أكثر من شهرين على قيام الثورة، هل تعتقد أن هناك مسيرة متواصلة أم وقع إنحراف؟ منذ 14 جانفي عشت مرحلتين، وها نحن على أبواب الثالثة، المرحلة الأولى كانت مرحلة فرح وإبتهاج وتفاؤل وإحساس بأن الشارع التونسي مليء بالتضامن والتعاطف والأخوة، والمرحلة الثانية: فوضى إرباك وإرتباك وتشاؤم وعودة الأنانية في العلاقات الإنسانية، المرحلة الثالثة اليوم مهمة جداً: تنطلق تونس في مسيرة عملية التصحيح لمسار الثورة الذي أسس له خطاب الرئيس المؤقت، والذي هو حقيقة الأمر تعبير لوفاق ضمني جاء نتيجة لإقتناعات الأغلبية الساحقة لأطياف المجتمع التونسي بحساسية الظرف، وبإمكانية الرجوع إلى وضعية ربما تكون أحلك مما كانت عليه قبل 14 جانفي. ما هي توقعاتك اليوم؟ أعتقد أن حزب التجمع سيحل ويحل محله حزب دستوري جديد مثلما اقترحه الهادي البكوش،فمن يمسك السلطة اليوم هم الدساترة القدامى، ولم لا هناك أشخاص نزهاء في الحزب، وستكون الخارطة في المجلس التأسيسي، الأغلبية لحزب الدستور، ثم لحزب النهضة الذي لديه أطروحاته وأسسه واضحة، ثم حزيبات صغيرة مثل الحزب الإشتراكي والحزب التقدمي والتجديد وغيرهم، سنة 59، بورقيبة وضع دستوراً دون إنتخابات، لكنه كان مبنياً على وفاق وطني، وعلى أرضية حداثية متقدمة، ما أخشاه اليوم أن يكون دستور البلاد شكلياً في قوانينه ديمقراطي، لكن يمكن أن يرجع بنا إلى الخلف وأن يتنازل عن الإنجازات التي تحصلنا عليها في الدستور الأول، من أي ناحية يمكن أن يتأخر؟ في كثير من المجالات، المرأة، الحداثة، المساواة، وهذا ليس تأكيداً لكنه ممكناً، معنى ذلك أنه يمكن أن نخسر ما تحصلنا عليه من مكتسبات؟ هذا وارد جداً، إذا لم يكن هناك قطب ديمقراطي حداثي مدني. بوجود خطاب الحزب الدستوري برجالاته القديمة، والنهضة بخطابها، كيف يمكن أن يكون هذا القطب الحداثي الديمقراطي؟ يجب أن يتكون من آليات مدنية، وأطر فكرية وعملية تأسس لإفرازعرض سياسي مقنع،يتماشى في إتجاه حداثة راسخة ومتشبعة بحضارتنا وتاريخنا ومسيرتنا وتقدمنا منذ 50 سنة. نحن أمام مرحلة جديدة بالنسبة للمشهد العام في تونس، سندخل على مجلس تأسيسي بإنتخابات، لكننا لا نملك أي محاذير فكرية عملية تضمن توجها عقلانيا، يؤسس لمجتمع يواكب القرن الواحد والعشرين، لسنا بحاجة للرجوع إلى الماضي مهما كان غزيراً وثرياً، هناك خطاب «كلياني» يتسرب عبر مجتمعنا، وليس هناك منظومة فكرية تستسقي كل الأفكار، حتى أفكار فناني الراب لديهم فكر، منذ أيام سمعت رابور يغني «ستصبح تونس بين 2 دجالة، الأول يقول إنتخبوني راني لاييك، والدجال الثاني إنتخبوني راني مسلم» هناك قطبان لا غير، لا بد من قطب ثالث، رغم أنه في الواقع القطب اللاييكي غير موجود فعلياً، يستعمل اليوم كفزاعة، فكل ما ذكر اللاييك يتهم بأنه كافر، لكن أيضاً إذا ذكرنا أنه من الممكن أخذ الجيد من تراثنا نتهم بمغازلة الإسلاميين، لا يوجد وعي سياسي واضح. كيف يمكن تفادي السلبيات؟ لا بد من الإرتكاز على تاريخ نضالاتنا، والإنفتاح لمضامين الحرية والعدالة والحضارة، فشل العلمانيون في الفترة الأخيرة في طرح عرض سياسي مقنع،حتى اليسار التونسي تميز بالتشتت والتفرق والخصام، هناك عقلية الحوانيت، كل يدافع عن علامته، لا بد من الخروج من هذه الآفاق الضيقة، عن طر يق آلية مدنية والتي لا بد أن تكون أكثر جدية لعمل جدي شامل ومتواصل, و لا بد من جهازية تجمعها قواسم مشتركة تحث على اللقاء بين روافد فكرية مختلفة وأقطاب واردة تثري المشهد السياسي. وكذلك يجب أن لا تنغلق الأحزاب على نفسها، بل تحتاج لإقناع عبر تحالف واسع وحزام أمان لوجودها وأفكارها. وإذا منعت اليوم الأحزاب من القيام بتظاهرات أو إجتماعات عامة، فليس ذلك بسبب الفوضى والثورية فقط، بل لأن تلك الأحزاب لم تتوصل إلى الإقناع بأهدافها ومصداقيتها، فكيف يمكن أن يشارك حزب في حكومة مؤقتة دون أن يشرح لجماعته سبب دخوله، وأهدافه وآفاق برامجه. شاركت في مشروع تأسيس الجبهة المدنية الديمقراطية، ماهو المجال الذي ستعمل فيه هذه الجبهة؟ ستعمل هذه الجبهة في إطار «جمعية محمد علي» التي يشرف عليها صديقي الحبيب قيزة، وأعتبر إطار جمعية محمد علي من الأطر المهمة التي قامت بعمل جدي قبل الثورة، بل يمكن القول أنها كانت تقريباً الإطار الوحيد الذي أقام حواراً جدياً بين أطياف مختلفة من المجتمع المدني والسياسي في نفس الوقت، وبحكم الصداقة الحميمة مع حبيب قيزة، وبحكم أنني منذ سنة 84 كنت مشاركاً مع مجموعة صغيرة تعتقد أن المجال الأورومتوسطي لديه مشروعية وأهمية تمس مباشرة واقع بلداننا عامة وتونس خاصة، نشطت في هذا الإطار إلى جانب العديد من الأصدقاء في فرنسا، المغرب، تونس، لبنان، سوريا، إسبانيا، إيطاليا، لتكوين شبكة الشبكات للمجتمع المدني والذي أطلق عليها إسم «منبر المنظمات غير الحكومية الأورومتوسطية» وفيها ناشطون من منظمات حقوق الإنسان من 35 دولة. كذلك ناشطون جمعاتيون في مجالات متعددة : التنمية، البيئة، الشباب، المساواة، إلى جانب منظمات نقابية، وكان لي الشرف أن أشارك في الشبكة كمنسق عام للمنبر. وقد ساهمت جمعية محمد علي ضمن من عمل مع الشبكة، وتقابلت مع الحبيب قيزة وعملنا في العديد من المناسبات، سواء على المستوى التونسي أو الأورومتوسطي، وبحكم هذه العلاقة فكرنا في المساهمة في مشروع مدني ديمقراطي بعد ثورة 14 جانفي، وكانت نقطة البداية إتفاقنا على بعض الأفكار المبدئية لبعث الجبهة : لا يحق لأي كان أن ينصب نفسه وصياً على الثورة بحكم أنها قامت بدون قيادة وأنها فاجأت كل أطياف المشهد السياسي التونسي. لا بد أن نؤسس لعلاقة مواطنية بمفهوم جديد، لأن ما كان من صفات الحكم القديم أفرغ العديد من المفاهيم من معانيها الأصلية، مثل : الديمقراطية، قانون المؤسسات، المواطنة، الوطنية... لا بد من علاقة جديدة لحث المواطن للمساهمة في التحول الديمقراطي. الإطار الأمثل للتحرك في وضع كان يسوده الغموض والفوضى بعد 14 جانفي يتمثل أساساً في عمل على منوال اللقاءات التي تنظمها جمعية محمد علي ضمن حراك وتفكير وتبادل مشترك. كان أول لقاء للتفكير فيما يمكن القيام به من عمل مجدي، وكانت فكرة الشروع في تأسيس جبهة مدنية ديمقراطية، في إطار مفتوح ومتدرج، تقطع مع مرحلة «ديقاج» في إتجاه الإلتزام، من مرحلة التنظيف إلى مرحلة البناء، وكيف وماذا يمكننا بناءه معاً، الملفت للإنتباه أساساً النقاش المهيمن يكاد يكون أحادي الجانب، وهو الشكل القطعي للسياسة، أصبح الجميع يفهم بالسياسة وفي القوانين الدستورية، يجادلون الفصول والحكومة، الثورة لم تقم على تغيير حكومة بحكومة، قامت على أساس الحرية والكرامة وتأسيس الديمقراطية، والمطلوب اليوم تأسيس لفكر يتحول عملياً إلى برامج وأسس على كل الأصعدة، إجتماعية وفكرية وثقافية وسياسية، كيف يمكن ذلك؟ ماذا نريد للتنمية مثلاً؟ كيف يمكن أن تنصهر التنمية الجهوية في إطار جديد للسياسة الجديدةالتونسية مع مراعاة أن الإقتصاد يعتمد على تنمية الموارد ويرتبط أساساً بالإقتصاد العالمي، كذلك مشكلة المناجم، كيف يمكن خلق 20.000 موطن شغل، تحتم المسؤولية طرح المشكل على أرض الواقع، لا الوعد بأن ذلك ممكن، لا يمكن تلبية تلك المطالب، لكن يمكن خلق ديناميكية إقتصادية محلية كمواطن شغل مختلفة، خلق مناخ ثقافي إقتصادي إجتماعي يفتح الباب لإستثمارات أخرى، لا بد من خلق مناخ شامل وكامل. كان هناك لقاء ثان أعلنتم فيه إسم الجبهة، وحضر فيه العديد من المهتمين من اصحاب الفكر والقرار؟ كان اللقاء الثاني موسعاً طرحت فيه أفكاراً جديدة أثرت الأرضية الأولى التي اتفقنا عليها، ومن أبرزها: 1 ربط برنامجنا مع الأجندا السياسية التي أتت مع خطاب رئيس الدولة المؤقت فؤاد المبزع، حول وجود سلطة عمومية توضح دورها ومهامها والتوقيت الذي ستعمل فيه، أجندا تنتهي أعمالها في 14 جويلية، كان بعض الوزراء يتصرفون وكأنهم سيبقون 50 سنة. 2 لأول مرة هناك مجال لوفاق سياسي واسع حول هيكل إستشاري يكون المرجع في الإصلاح السياسي، وفي تجاوز الإشكاليات والمشاكل التي ستطرح في المرحلة الإنتقالية الحالية، والتي تتمثل بتشكيل الهيئة العليا للتحول الديمقراطي، وتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي. 3 الإعداد لإنتخاب مجلس تأسيسي وبذلك يصبح عملنا مرتبطاً بهذه الأجندا ويطرح علينا ضرورة التركيز الفعلي لهذه الجبهة. ما هي مدة صلوحية مثل هذه الجبهة، هل ستكون مؤقتة ككل ما يوجد حالياً؟ عمرها سيكون عمر الإلتزام الذي سيربط المشاركين فيها، ضمن أرضية عمل مشتركة وبميثاق قيم،وسيصاغ في أقرب وقت ممكن حتى يكون في حد ذاته مساهماً لأرضية الوفاق الوطني، الذي لا بد أن تستبق في تقديرنا تشكيل المجلس التأسيسي والإجابة عن كل التخوفات المتعلقة بتركيبة المجلس التأسيسي، وما يمكن أن ينبثق عنه من نصوص دستورية، ومنظومة سياسية جديدة، تمر عبر ضرورة ترسيخ وفاق وطني حول مجموعة من المبادئ والقيم التي بإمكانها أن تشكل الوعاء الواقي لأهداف الثورة، واللافت للنظر أن ما يطرح حالياً لا يطرح فكرة : القيم، التضامن، المساواة الحقيقية والفعلية، الحداثة، الأخلاق المدنية، التسامح... كيف يمكن أن نسعى لتحقيق هذه الثوابت؟ سواء من خلال المناقشات المزمع عقدها داخل الهيئة العليا للتحول الديمقراطي، حيث سيشارك فيها كل الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، والمفروض أن يكون الإطار الأمثل لصياغة ميثاق وطني ديمقراطي، وتحسباً لهذا الحوار لا بد أن تخوض هذه الجبهة الديمقراطية المعركة أولاً بالمشاركة ضمن الهيئة العليا للتحول الديمقراطي. ثانيا: أن تكون هناك حلقات تواصل مع المواطنين... مع الشباب... مع نبض الشارع... أن تكون الجبهة همزة وصل لتأسيس وفرض حس جماعي حداثي مدني ديمقراطي، يفرض نفسه كشريك فعلي للإنتقال الديمقراطي.، وأن تكون فاعلة حالياً، فمن ميزات ثورة 14 جانفي النسق السريع جداً للتغيرات، ثالثاً: ستعمل هذه الجبهة على تركيز لجان عمل وطنية ومحلية وجهوية في كل المجالات الإقتصادية والإجتماعية والفكرية والثقافية، والمتصلة بقضايا حيوية ومصيرية، كالمرأة والثقافة والطفولة.. بالنسبة «لمنبر المنظمات غير الحكومية الأورومتوسطية » ماذا قدم من أنشطة؟ في الواقع كانت تجربة فريدة من نوعها، أسست لأول مرة في تاريخ المنطقة علاقة جديدة بين المؤسسات الحكومية والمجموعة الأوروبية مع المجتمع المدني، حيث خلقنا تقاليد حوار جديدة، مثل عقد المنتدى المدني الأورومتوسطي الذي يقام على هامش القمم الأورومتوسطية، سواء على مستوى وزراء الخارجية أو مستوى الوزراء، ويجتمع في هذا المنتدى ممثلون عن المجتمعات المدنية الجنوبية والشمالية لصياغة توصيات أو إقتراحات أو إحتجاجات... تقدم في بداية الإجتماعات الرسمية،وحصل لي شرف حضور قمة الذكرى العاشرة لإعلام برشلونة سنة 2005، إلى جانب المشاركة في كل إجتماعات سفراء الشراكة الأورومتوسطية. هل أنت متفائل للمستقبل؟ أعتبر أننا في مسار إيجابي بإمكانه أن يوصلنا إلى شاطئ الأمان، وأكبر تعبير لتفاؤلي أنني أفكر ولأول مرة منذ 35 سنة في العودة لبلدي للمساهمة إنطلاقاً من إمكانياتي المتواضعة والصادقة، في بناء تونس الغد.