٭ بقلم القاضي: سليم خميري المحكمة الابتدائية بمدنين أودّ أن أبيّن ان هذا المقال ليس الا تكملة لما أتى عليه زميلي السيد حامد المزوغي في جريدتكم يوم الاثنين 7 مارس 2011 وللرد على حملة التشكيك فينا نحن القضاة خصوصا والسلطة القضائية عموما، فمنذ سقوط النظام السابق ما ينفك بعض أصحاب النفوس المريضة والألسن الخبيثة على مهاجمتنا والتشكيك فينا وكأننا جزء لا يتجزأ من نظام الرئيس المخلوع، وما هم الا أبواق دعاية تحركها أياد خفيّة لخلق فجوة عميقة بين السلطة القضائية والشعب ويفقد الشعب التونسي ثقته فينا رغم أننا جزء لا يتجزأ من هذا الشعب وأبنائه ومنه وإليه. فقد وصفونا بأننا جهاز قمعي استغله نظام الرئيس المخلوع لتحقيق مآربه وأغراضه الدنيئة وفي هذا الاطار ليس لي أن أرد الا بأننا نحن القضاة عددنا يتجاوز ألف وثمانمائة قاض ولم يقدر النظام السابق الا على ترويض فئة قليلة من مرضى النفوس وكان من العسير عليه تركيع البقية والسيطرة عليهم وذلك لأن ضمائرهم حيّة هدفهم ارضاء الله تعالى والحرص على اظهار الحق وايصال الحقوق الى أصحابها ولم يكن هدفهم ارضاء النظام السابق وأزلامه ومنحهم حقوقا لا يستحقونها. ولقد بيّن الزميل المحترم وجوه الضغط وشتى أشكال القمع الذي كنا نتعرّض اليه في العهد السابق فقد كان الاكراه على الاستقالة جزاء لكل من قال لا في وجوههم ورفض الانصياع وراء أهوائهم وكذلك النقل التعسفية واعتماد سياسة التجميد والحرمان من الترقية اضافة الى سياسة التهميش في حقنا والتغاضي عن السلطة القضائية كسلطة دستورية ومحاولة افراغها من مضمونها كسلطة بعدّة أشكال أبرزها مهزلة القانون الاساسي في آخر تنقيح له سنة 2005 واخضاع القضاة الى سلم التدرّج الوظيفي للوظيفة العمومية. كما عابوا علينا طلبنا بحل لجنتي تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة وحول الانتهاكات في الفترة الاخيرة وإحالة ما كلفتا به من أعمال على أنظار القضاء وبرّروا ذلك بأننا لا نحظى بسمعة طيّبة ولا بمصداقية لدى الرأي العام وفي هذا الاطار أود أن أقول إن النظام السابق بغبائه لم يكن يظن أن ثورة شعب تونس سوف تعصف بأركانه لذلك ارتأى احداث هاتين اللجنتين لاخماد الغليان الشعبي من جهة ومن جهة أخرى ليضمن سيطرته عليهما وتطويعهما حسب أهوائه وذلك ليقينه التام بأنه لن يستطيع السيطرة على القضاء لو تم تكليفه بمهام اللجنتين المذكورتين لأنه لن يتوانى عن محاسبة كل من ثبت تورّطه وهذا لا يخدم هدم النظام السابق وليس من مصلحته أن يسند أمرا لجهاز ليس له قدرة على التحكم فيه في حين رأى أنه بوسعه ان يسند هذا الامر لجهاز يستطيع السيطرة عليه. وما طلبنا بحل اللجنتين المذكورتين واسناد مهامهما إلينا ليس الا رغبة منا في الركوب على الأحداث أو استنقاصا من قيمة أعضاء اللجنتين مع احترامنا الشديد لهم وعلى رأسيهما العميد عبد الفتاح عمر والاستاذ توفيق بودربالة وانما مساهمة منا في حماية الثورة وحفاظا على الشرعية الثورية حتى لا يتم خلق قضاء مواز في حين ان السلطة القضائية لوحدها كفيلة بالاضطلاع بهذه المهام. وهنا أتساءل لماذا يحرص البعض كل الحرص على الحفاظ على اللجنتين المذكورتين حتى بعد زوال النظام السابق الذي احدثهما؟ هذا سؤال أطرحه وأتمنى أن لا تكون الاجابة بأنه مدفوع من أطراف خفية تستغله لمحاولة طمس الحقائق على الشعب والا فإننا ندعوه للاعتذار لهذا الشعب الكريم. وكما أريد أن أبيّن لذلك الجامعي الذي وصف فقه القضاء التونسي بالتردد وبالتخلّف وبالرجعية أن المهمة الاساسية للقضاء هي تطبيق القاعدة القانونية وليس تحليلها وانما نستعين بمحاضراتكم ودروسكم في تحليلها والتعمّق فيها اذ لا يمكن لفقه القضاء ان ينشأ بمعزل عن فقه الشراح اللهم اذا كنت أنت متأكّد أن ما تلقونه من محاضرات وتأتون به من نظريات مرسومة بالتخلف والرجعية ونحن استعنا به فهذا أمر آخر فلا تلمنا إذا. وأما التطرق الى دعوة بعض الزملاء لتكوين نقابة فهذا أمر داخلي لا يصح لأي طرف أن يبدي رأيه فيه الا القضاة أنفسهم لأنهم أدرى بمصلحتهم سواء كان ذلك في انشاء نقابة أو الالتفاف حول الجمعية الحالية لأن أهل مكة أدرى بشعابها وكل من له رأي في هذا الموضوع غيرنا يحتفظ به لنفسه. وفي الختام أريد أن أدعو كافة الزملاء الى ضرورة التوحّد والتكتل حفاظا على هيبة القضاء وصونا له من حملات التشكيك المغرضة التي تمس بشرفه وسمعته، كما أدعو الشعب التونسي الى أن لا يصدّق كل ما تم تلفيقه للقضاء والافتراء عليه.