مازال المثقفون العرب ينعطفون على الثورة التونسيّة بالنظر والتأمّل حينا، وبالاحتفاء والثناء حينا آخر. فتونس التي رفعت أذان الحريّة على حدّ عبارة محمد عبد الحكيم فلبّت الشعوب العربيّة النداء، كانت دائما في نظر المؤرّخ قاسم عبدة قاسم أرض الثورات. وكل من يلتفت الى التاريخ التونسي «يجده حافلا بالثورات المشابهة» تناهض الظلم وتتصدّى لرموزه. الشاعر أدونيس لا يرتدّ الى التّاريخ ليبحث عن الأسباب العميقة لاندلاع الثورة، وإنّما يتأمّل اللّّحظة الرّاهنة، ففيها يقرأ أسبابها الاولى ودواعيها العميقة، يقول في مقال عنوانه نحو جبهة مدنية عربيّة: «بعد سقوط زين العابدين بن علي وحسني مبارك بفعل المبادرات الشعبيّة المفاجئة والمتنوّرة في تونس ومصر...يتحتّم على الجسم الثقافي العربيّ أن يعيد النّظر في نفسه رؤية وخططا وممارسة» مؤكدا أنّ ما حدث لم يكن مرتبطا بهذا الجسم بل يبدو وكأنه حدث في غفلة منه فالجسم الثقافي العربي «جسم بطيء الحركة، مثقل بأعبائه الوظيفيّة، متصالح إجمالا، توفيقيّ تلفيقيّ سواء في هذا كلّه أتقرّب الى السّلطة ووالاها، أم ابتعد عنها وعاداها». يرى أدونيس أن المدار الأوّل لإعادة النّظر في هذا الجسم الثقافي هو موقفه من واقع الحريّات. فالحريّة هي الصّرخة الجامعة العالية في ما حدث الآن – الحريّة السياسيّة خاصّة... لكنّ هذه الحريّة تظّل شكليّة مالم تقترن بالحريّات المدنيّة. «فالإنسان حرية أوّلا وقبل كلّ شيء»... قبل المجتمع، وقبل الوطن وقبل السياسة. وقبل النظام، وقبل الإيديولوجيات كلّها...بل إنّ هذه كلّها تفقد معناها الإنساني وتصبح لغوا إذا فرضت من الخارج إذا لم تنبثق من الأعماق وتنمو في أحضان الحريّة «دون ذلك يتحوّل المجتمع سياسيّا وثقافيّا الى مجموعة سجون ويتحوّل ادارة وتنظيميا الى زرائب وقطعان» تأسيسا على هذا دعا أدونيس المثقّفين العرب الى الانخراط العملي في جبهة مدنيّة عربيّة للخروج من عالم التقاليد الماضويّة كلّها، وبناء عالم المستقبل، عالم الإنسان الحرّ وعالم الحياة الإنسانية المدنيّة... د.نوال السّعداوي تساءلت، بعد قيام الحكومة التونسيّة الأولى عن حضور المرأة المناضلة فيها «فأغلب الوجوه رجال مع أنّ النّساء التونسيّات شاركن في هذه الثّورة الشعبيّة...» ثمّ عرّجت على تجربة المرأة العربيّة مع الثورات التي خذلتها، ولم تولها المكانة التي تستحق «فكم مرّة شاركت النّساء في الثورة. (الثورات الجزائريّة والفلسطينيّة واللبنانيّة)... وما ان استقرّ الحكم حتّى ضاعت حقوق النّساء...، وظلّ الرجل هو المهيمن دائما...المتسلّط أبدا» وتختم المقال بقول بعضهم «يثور الرّجل ضدّ الحاكم المستبدّ في الدولة...ويرجع الى بيته مشتاقا للاستبداد بزوجته». كلوفيس مقصود نظر الى الثورة التونسية في سياقها، العربيّ فقال «إن الثورة التّونسيّة ثروة للأمّة العربيّة...» وهي «بمعنى من المعاني تمثّل دعما لشعب فلسطين الذي وفّّر له الشعب التّونسيّ دفء الانتماء» داعيا كلّ النخب العربيّة الى دراسة «هذه التجربة الرّائدة التي أدت الى نظام شموليّ استبدادي واحتمال قيام دولة يسودها الانفتاح». في هذا السّياق ايضا كتب عبدالغني الماوري الكاتب اليمني المعروف «مهما أعطيت ثورة تونس من أوصاف فإنّها الثورة الأهمّ في التّاريخ العربيّ المعاصر» ومزايا هذه الثورة على الأمّة العربيّة كثيرة لعلّ أهمّها اسقاط جملة من الأساطير استبدّت بعقول أبنائها منها: «استحالة التغيير في ظلّ دكتاتوريّات عربيّة شرسة» تدعمها قوى أجنبيّة شتّى ومنها أيضا «أن ثمن التغيير اذا ما حدث سيكون كبيرا وباهظا بحيث لا يقّدر على دفعه أحد»... ...لكنّ أخطر هذه الأساطير التي أسقطتها الثورة التّونسيّة هي تلك التي تتعلّق بالقوّة المتخيّلة لبعض السّاسة...انهيار بن علي أكّد أن هذه النّظم الدّكتاتوريّة نظم هشّة...ضعيفة رغم قوّتها الظاهرة... بعض الكتاب اهتمّ بقصيدة إرادة الحياة التي تغنّى بها الجميع خلال الثورة فكتب نادر قريط «نم قرير العين يا أبا القاسم فشعب تونس أزاح» اذا «وأراد الحياة فاستجاب القدر...ودقّ باب الحريّة بيد مضرّجة...».