ثلاث ساعات كاملة قضاها الصحافيون التونسيون أمس في انتظار وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي كان مقرّرا أن تعقد ندوة صحفية بمقر الخارجية التونسية ولكنها في آخر الأمر آثرت عدم الحضور أو بالأصح «مراوغة» الصحافيين التونسيين الذين جاؤوا بأعداد غفيرة. قرار إلغاء هذه الندوة الصحفية لم يكن في حقيقة الأمر مفاجئا على الأقل بالنسبة الى البعض خاصة بعد الأجواء المشحونة نوعا ما التي سادت قاعة الندوة وخارجها منذ أن بدأت إجراءات التفتيش التي أصرّ أعوان الأمن الأمريكيين على «الاستفراد» بها.. وكان هذا الموقف هو الذي أثار غضب ممثلي وسائل الاعلام الوطنية والعربية الذين رفضوا هذا الأمر ورأوا فيه استفزازا متعمّدا فيما اعتبره آخرون بمثابة إهانة لصحافيي تونس الثورة ولأمنها.. قبل أن يتم تجاوز هذا الاشكال بتولّي أعوان الأمن الوطني القيام بإجراءات التفتيش للصحافيين التونسيين فيما تولّى أعوان أمريكيون تفتيش ممثلي الصحافة الأجنبية.. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحدّ حيث ما إن دخل الصحافيون القاعة وأخذوا أماكنهم حتى طلب من بعضهم التخلّي عن أماكنهم هذه لصالح 30 صحفيا أمريكيا كانوا يرافقون هيلاري كلينتون في زيارتها الى تونس.. وهذه الخطوة رأى فيها الصحافيون «استفزازا آخر.. وعوض أن يتمّ احتواء هذا المشكل بهدوء دخل عون أمريكي ليطلب من زميلين صحافيين في إذاعة محلية (إذاعة شمس FM) مغادرة القاعة بداعي قيامهم بتصوير عملية التفتيش.. لكن هذه الخطوة استفزّت الصحافيين الذين هدّدوا بأنهم سيغادرون جميعا القاعة ويقاطعون كلمة هيلاري كلينتون في حال تمّ إخراج صحافيي «شمس أف. أم».. وهو ما دفع رجال الأمن الأمريكيين في النهاية الى التراجع عن هذه الخطوة.. ولكن المسألة لم تقف عند هذا الحدّ أيضا حيث أصرّ الأمريكيون على ضرورة تخصيص جناح كامل للصحافيين الأمريكيين لكن بعض ممثلي وسائل الاعلام الوطنية والعربية كان لهم رأي آخر وأصرّوا هم الآخرون على موقفهم لكن في الأخير تمّ تطويق هذا الاشكال وذلك بتغيير قاعة الندوة بأخرى أوسع.. وهناك انتظر الصحافيون السيدة هيلاري كلينتون ل «تتكرّم» عليهم ببعض الكلمات.. ول «تجيبهم» عن بعض التساؤلات.. انتظروها لساعات.. ولكن هيهات.. وهنا تشنّجت الاعصاب.. ولكن في كل مرّة كان «يطلّ» أحد المسؤولين ليطمئن الصحافيين قائلا «إنها ستأتي» (هيلاري كلينتون).. وهنا كان لسان حال الصحافيين يقول «أن تأتي متأخّرة.. خير من أن لا تأتي أبدا».. واصل الصحافيون الانتظار..ولكن في ما بعد أطلّ مسؤول آخر ليقول «إنها قد تأتي.. وقد لا تأتي».. ليستقر الامر في النهاية على «الفرضية» الثانية التي أعلنها في البداية مصدر أمني أشار الى أن السبب الأساسي وراء إلغاء الندوة الصحفية هو تشكيك الامريكيين في نزاهة الأمن الوطني قبل أن يؤكد في ما بعد ل «الشروق» مسؤول في الخارجية التونسية الذي صرّح بأن «كل ما لديه من معلومات أنها ألغت الندوة الصحفية» لكنه «لا يعرف الاسباب الحقيقية وراء هذا القرار»، لكن البعض الآخر لم يستبعد أن يكون أحد هذه الأسباب المظاهرة التي نظمها عشرات المواطنين أمام وزارة الشؤون الخارجية وهم يرفعون لافتات كتب عليها «لا مرحبا بهيلاري كلينتون».. و«يا هيلاري ارحلي».. و«لا وصاية أمريكية على الأراضي العربية..» تعددت اللافتات والشعارات.. وقد تكون هيلاري كيلنتون «فهمت» (على طريقة بن علي) هذه الرسالة.. وتراجعت عن عقد ندوتها الصحفية.. ولكن الواضح أيضا أنها أرادت «مراوغة الصحافيين والرد عليهم «بكل حزم».. وذلك هو «السرّ» في «الديمقراطية الامريكية».. وإن بعض الظن إثم!! وقد علمت «الشروق» في وقت لاحق أن وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون فضّلت عقد الندوة الصحفية في مقر السفارة الامريكية القديم