بقلم: فاطمة بن عبد الله الكرّاي نعم، اعتبرت نفسها في تراب معاد، لذلك أقدم الامن المرافق لها على ما أقدم... هيلاري كلينتون، التي لم تأت الى تونس يوم الخميس المنقضي، في زيارة أولى من نوعها... بل كانت هنا في بلادنا لما كانت عضوا بالكونغرس الامريكي، عهد بوش، وقد التقت بمكوّنات من المجتمع المدني منذ سنوات... ولم تطرح مسألة أن يعوّض الأمن المرافق لها، الأمن التونسي... لماذا؟ لأنها جاءت وقتها، تحت مظلّة الدكتاتور... كانت تعتبر نفسها في أرض صديقة... يحكمها حلفاء للامريكان... حتى إن كان من يحكم وقتها... يتلظّى بسياطه الشرفاء... وأهل الكرامة... والعزّة ممّن فجّروا ثورة تونس... هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، قدمت الى تونس، والتقت مع من كان لابد وأن تلتقي بهم، لتأمين مصالح بلادها، وتصرّفت ضد العرف البروتوكولي، فكان أن اعتبرت نفسها في أرض معادية واعتبرت أنه لا يمكن أن يؤمّن أمنها غير الطاقم الحديدي من أمن الولاياتالمتحدةالامريكية القادم معها... فكانت الرسالة بليغة... وواضحة، وقد مثّل عزوفها عن عقد الندوة الصحفية بمقر وزارة الخارجية، الاجابة الشافية عن كل الاسئلة التي كان سيوجّهها إليها الصحفيون المحترمون الذين ظلّوا ينتظرونها كمصدر خبر ومعلومة لهم، في قاعة وزارة الخارجية التونسية... فيما آثرت رئيسة الديبلوماسية الامريكية، التي لا نظنّها تفرح لأهداف الثورة في تونس، أن تعقد ندوتها الصحفية بالمقرّ القديم لوزارة الخارجية التونسية بالقصبة! وأمام الصحافة التي تريدها هي أن تكون حاضرة وتسألها كلينتون أن تسمعها الأسئلة التي تريد وفي هذا أكثر من معنى... هيلاري كلينتون التي تمثّل الدولة الامريكية بما تلبسه من نعوت الامبريالية والهيمنة ومحاولة السيطرة على مفاصل التاريخ والجغرافيا في العالم، عقدت ندوتها الصحفية في «القصبة» وقد عبّرت في عملية «انبهار» مقصودة عن جمال المكان... «القصبة» التي شيدتها احدى الدول التونسية التي حكمت البلاد منذ ستة قرون... الدولة الحفصية... حينها كانت الولاياتالمتحدة غير موجودة... أو لنقل كانت: «بَح». نعم رسالة كلينتون وصلت، حين اعتبرت أن تونس الثورة بلا سيادة... وحين اعتبرت الصحفيين الذين تحمّلوا ما تحمّلوا من تفتيش وانتظار دون مكانة الصحفيين... نعم، هيلاري كلينتون أرسلت «رسالة» ملغّمة مفادها أن الادارة الامريكية، فعلا تقف ضد مصلحة الشعوب في تقرير مصيرها... كما أرادت أن تقول «السيدة هيلاري» إن «القصبة» التي يتخذها الثوار في تونس مرجعية لكل مطالبهم وتحرّكاتهم، هي الآن «تحت السيطرة» كما يعبّر بذلك أهل المخابرات والأمن... لكن هيهات... أن يكون لها ذلك... أما الرسالة الثالثة التي أرادت أن تبعث بها «كلينتون»، من خلال حركاتها المذكورة، تقول: إنه رغم المجهود الذي قام به من قام، من أجل أن تتماهى «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي» مع ما تبتغيه الادارة الامريكية منها، من حيث الاسماء التي طالعتنا بها هذه الهيئة، فإنها تقول لهم: يمكن أن تقوموا بأفضل من ذلك... «Vous pouvez mieux faire» وهي عبارة المعلّم، التي يسديها لتلاميذه. نقول للسيدة هيلاري كلينتون، إن شعب تونس الذي ثار على حليفكم، بكل مدنية وتحضّر، لا يمكن أن يصيب صحافيوه، بسوء أي مسؤول أمريكي، حتى وإن تصرّف هو كعدوّ للثورة... وأنتم كذلك... كما نقول لها انه وعملا باختلاف الثقافات بيننا وبينكم كأمريكان، فإن ما فعلته مع الصحفيين لا يدخل وفق الثقافة الامريكية الا في منطقة «الفرجة الامريكية the show وأن لعبة «ميكي ماوس» و«طوم أندجيري» هي من منظوركم تعدّ الفرجة المسليّة التي يمرّر من خلالها «السم في الدسم»... فيما ننظر نحن من زاوية ثقافتنا سليلة آلاف السنين، أن ما أتيته مع الصحفيين أمس الأول لا يدخل الا في باب «المسخرة»...و«قلة الذوق» الحضاري... والديبلوماسي. وليس أمامك الآن، ك «ممثلة» للسياسة الخارجية الأمريكية التي نفقهها جيدا سوى الترديد «رحم الله زمانا... كنتم فيه أهل الحل والعقد»... في بلادنا وفي غير بلادنا...وأن الثورة... المدنية... ثورة الكرامة... مازالت أشدّ إنباء من كل الذين التقيتموهم كمبعوثين أمريكان... بعد الرابع عشر من جانفي 2011.