قد يذوق المرء حرقة الموت في قريب عزيز الى قلبه... ولكن مع مرور الأيام يخفف الله عليه لوعة البلوى والاحزان... واذا مسنا سقم فهو يزول مع زوال الألم ولكن عائلة الصحفي لطفي المسعودي بمعتمدية العلا سكنها الجزع باختفاء ابنها أو بالأحرى وقع أسره مع أفراد طاقم «الجزيرة» الذين أوكلت لهم مهمة تغطية الأحداث الساخنة والدامية في المدن الليبية والذي انقطعت اخباره عنهم تماما. فكل الوافدين على بيت الأسرة ليسوا بمعزين لفقيد أو زائرين لمريض... بل للتعبير عن تضامنهم ومواساتهم لأفراد العائلة الملتاعة حول مصير ابنها الذي بات مجهولا فبقيت تتقلب على جمر ونار الحيرة والقلق بما ستأتي بها الساعات أو الأيام اللاحقة من مضمون النتائج فإما ان يكون قد استشهد أو في حالة أسر ينتظر ساعة النجاة والخلاص. فاختفاء الصحفي لطفي المسعودي مع زملائه أثار كذلك موجة عارمة من الحيرة والانشغال في وسط أهله وأقاربه وكل المتساكنين الذين خرجوا في مسيرة حاشدة انضمت لها وجوه نقابية نشيطة وجابت الشوارع والأحياء رافعة صور المفقود ولافتات طالب فيها الجميع من السلط التونسية والمنظمات والجمعيات الحقوقية والانسانية بتكثيف مجهوداتها للكشف عن مصير الأسرى المختفين والسعي الى اطلاق سراحهم ان كتب لهم النجاة من قوات النظام الليبي ومن جحيم الحرب. «الشروق» تحولت صباح أمس الى العلا وبالتحديد الى شارع 9 أفريل بوسط المدينة لتطلع على آخر الأخبار والمستجدات الحاصلة للصحفي المفقود استنادا الى افادات أفراد العائلة بعد ان اخترقنا الجموع الكبيرة من الزوار. من هو لطفي المسعودي؟ هو لطفي بن محمد بن محمود المسعودي من مواليد 5 جانفي 1977 بالعلا درس مراحل دراسته الابتدائية والثانوية بها ثم واصل دراسته الجامعية بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس العاصمة... يحتل مكانة كبيرة من الاحترام والتقدير لسمو أخلاقه ورفعة تواضعه... كانت له محطات مهنية ناجحة بدأها بالاذاعة الوطنية (2003) ثم تحول الى بعض القنوات العربية ليثري هناك تجربته الاعلامية في هذا المجال حتى انتهت به الرحلة الى قناة «الجزيرة» القطرية التي تضم نخبة من الكفاءات التونسية منذ خمسة سنوات تزوج عام 2006 ورزق بطفل سيطفئ شمعته الثانية بعد أسبوع في غياب والد بات مصيره مجهولا. الأم: لوعة... وفخر اللقاء الأول كان مع الأم «غزالة» وبرغم حالة الاعياء والجزع البادية على ملامحها اذ لم يغمض لها جفن منذ أن سمعت بنبإ الأسر وشاهدت صورة ابنها على شاشة التلفزة فقد عبرت بما تبقى لها من رباطة جأش عن ايمانها العميق بقضاء الله وقدره وينتابها شعور بالفخر والاعتزاز بهوية ابنها وجنسيته التونسية وبأنه أصبح بمعية زملائه أسيرا في سبيل أداء مهمته الصحفية النبيلة مؤكدة أنه ليس أفضل من شهداء التحرير بالوطن العربي ولكن غريزة الأمومة دفعتها لاطلاق نداء الى رعاة وحماة الشعوب بأن يتحركوا بسرعة لتحرير ابنها مع بقية الأسرى وضمان عودتهم معافين وسالمين. الأب: كآبة وجزع أما الوالد محمد فقد وجدناه هادئا هائما وقد لاحت على وجهه مسحة من الحزن والكآبة فاخبرنا بأن الاتصال قد انقطع بين لطفي وأفراد العائلة منذ أسبوع تقريبا وكانت آخر مكالمة هاتفية تقبلوها منه عند اجتيازه مع رفاقه حدود التراب الليبي فطلب من والديه ان يدعوا لهم بالنجاح والتوفيق في أداء مهمتهم والعودة الى مواقعهم سالمين لكن الأب لم يخف جزعه مع تفاقم الاحداث وسقوط المزيد من القتلى والجرحى. الأخت: حزن ومشاغل عبرت ايناس عن حزنها لاحتجاز شقيقها ثم قالت: «لقد شاء قدرنا أن نعيش فوق رقعة تراب ظلت بعيدة عن الأضواء ومحرومة لمدة عقود من الزمن مع شرف الانتماء الى وطننا... أتمنى أن تأخذ العلا حيزا من الرعاية والاهتمام والنظر بكل جدية الى واقعها التعيس ومشاغل متساكنيها وقضايا رجالاتها بعد ثورة التحرير المباركة».