E-Mail : [email protected] «الروبو» هو الاسم العالمي للإنسان الآلي الذي صنعه الإنسان في العصر الحديث وأطلق عليه هذا الاسم الذي عُرِف به في جميع لغات العالم تقريبا، ويُنطق في كل لغة بما يتناسب مع ألْسِنة أصحابها، وكلمة «الروبو» مأخوذة من اللغة التشيكية «ريبوتا» ومعناها (الإجبار على العمل) ومعناها قريب من الكلمة العربية (المُسَخَّر) وهي من «التسخير»، أي «العمل بدون أجر»، ويحسن استعمال كلمة «الروبو» التي ينطقها كل إنسان بما يتناسب مع لغته فتصبح منها، لأن ابن جِنّي يقول: «ما خضع للغة العربية فهو عربي». لقد أصبح الإنسان الذي يعمل عملا آليًّا، بلا إرادة أو تفكير، يُدعَى إنسانا آليًّا أو «روبو» أو «روبوت» (ولا أرى ضرورة لزيادة هذه التاء ما دمنا قد عرّبْناها). بعد هذا التوضيح أروي هنا نادرة طريفة لها صلة بالعمل الآلي الذي يقوم به «الروبو» رواها لي شاعر عراقي عما يجري في بلاده من أعمال غريبة لا يفهمها العقل البشري ولا العقل الآلي، وخلاصة هذه النادرة أن وفدا من عدة أقطار وجنسيات زار في أمريكا، فيما زار، مكانا فيه «روبو» قالوا لهم إنه يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يُطرح عليه بأي لغة، جوابا صحيحا دقيقا لا يعتريه الشك، فأخذ كلُّ واحد منهم يطرح عليه سؤالا في أمر من الأمور المختلفة سواء كانت عاطفية أو اجتماعية أو اقتصادية أو أدبية إلخ إلخ... فكان يجيب بكامل الوضوح والسهولة، وأخيرا ألقى أحد أفراد ذلك الوفد في أذن «الروبو» سؤالا، وكان ذلك السائل من القطر العراقي الشقيق، وإذا بذلك «الروبو» يرتعش ويرتجف ويهتزُّ ويضطرب اضطرابا شديدا ثم ينفجر ويخرج منه دخان كثيف ثم يتوقف عن العمل، ويهرع إليه السائلون والمسؤولون والمشرفون عليه، ويتحلَّق حوله الجميع ويقولون لذلك الزائر العراقي: «ماذا قلت له في أذنه؟» فأجابهم بلهجته العراقية: سألته: «شاكو ماكو بالعراق؟» (أي ماذا يوجد وماذا لا يوجد في العراق؟). لقد أردت بهذه الطرفة التي جعلتها مقدمة لهذا الموضوع أن أخْلُصَ إلى أن الإنسانَ العاقلَ مسؤول عن أقواله وأعماله التي يفعلها بمحض إرادته مع (سبق التفكير والتقرير) ويتَحَمَّل المسؤولية في ذلك، أما إذا قام بعمل آليٍّ داخلٍ في نطاق خدمته ووظيفته التي يتقاضى في مقابلها أجرا، فإنه غير مسؤول عنه، لأن الإنسان قد يعمل بعض الأعمال بصورة»روتينِيّة» دون أن يكون واعيًا لما يقوم به، وسأضرب على صحة ذلك مثلين من صميم الواقع، ويمكن أن نجد لهما ما يماثلهما: 1) في أوائل الخمسينيات، من القرن الماضي، قبل استقلال تونس، قام الدكتور مصدق بانقلاب على شاه إيران محمد رضا بهلوي وكان ذلك الخبر هاما مثيرا للاهتمام، وقد روى لي أحد أصدقاء الشاعر عبد المجيد بن جدو أنه استمع إليه يقرأ خبرَ ذلك الانقلاب، في الإذاعة التونسية، ثم قابله إثر ذلك خارجا من الإذاعة، فقال له: «ما هذا الانقلاب الذي وقع على شاه إيران»؟ فقال له: «مَن أخبرك بهذا الخبر؟ فقال له: أنت الذي أذعت الخبر منذ حين. فقال له: لم أنتبه إلى ذلك ويبدو أنني قرأته قراءة آلية دون أن أنتبه إلى معناه». وظلت هذه الحادثة مضرب الأمثال بيننا على لا مبالاة صديقنا عبد المجيد بن جدو رحمه الله. 2) وروى لي الإذاعي الصديق بوراوي بن عبد العزيز أنه كان ذات مرة يقرأ خبرا بالإذاعة التونسية صادف أن جاء فيه: (استقبل المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة وفدًا من البلد الفلاني يتكون من خمسة وعشرين قِرْدًا) وإثر ذلك بلحظات نزل الأستاذ الحبيب بولعراس - الذي كان آنذاك مديرا عاما للإذاعة والتلفزة التونسية – إلى (أستوديو 2) حيث يقع البث المباشر، وسأل المذيع عن هذا الخطإ الغريب، فقال له بكل برودة أعصاب: «انظر إلى الخبر إنه مكتوب كما قرأته، وأنا لم أكن حاضرا معهم لأعرف ماذا استقبل»، فقال له: لننتظر رد فعل الرئيس إذ لا شك أنه سمعه لأنه حريص على سماع جميع برامج الإذاعة وخاصة نشرات الأخبار، وعند ذلك رنّ جرس الهاتف وكانت المكالمة من الرئيس الذي سأل مدير الإذاعة: (من كان يقرأ نشرة الأخبار؟) - رغم أنه كان يعرف صوته معرفة جيدة - فأوضح له سبب وقوع هذا الخطإ. ومن حسن الحظ أن علاقة الرئيس لم تكن طيبة مع البلاد التي جاء منها ذلك الوفد، فضحك ضحكته المعروفة وقال لمدير الإذاعة: «لقد أصاب من حيث لا يدري لأني لم أقابل وفدا يتكون من خمسة وعشرين فردا بل خمسة وعشرين قردا». وأختم هذه الكلمة عن الروبو بالإشارة إلى أن معظم من كان يتكلم أو يقرأ أو يغني أو يحرر في جميع وسائل الإعلام قبل 14 جانفي 2011 كانوا مثل الإنسان الآلي تُقدم إليهم جميع المواد من نشرة الأخبار أو التعليقات الإذاعية التي لا يدري أين تُكتب ومَن يكتبها، فيقرؤونها لأن المسؤولين يعتبرونهم مثل الآلة الموسيقية التي تترجم «النوتة» المكتوبة إلى موسيقى فيعزفونها لأن أصحابها لا يحسنون العزف، ويمكن أن نقول هذا الكلام بالنسبة إلى جميع ما ينطق أو يعزف أو يُغنى، حتّى عَدَّ بعضُ نقاد الفن المغنينَ آلة مثل جميع الآلات يؤدي اللحن، لأن كاتب النص المُغًَنَّى وملحنَه لا يستطيع أن يؤديه أداء حسنا، ويتحمّل المؤلفُ مسؤولية محتواه ، وأخيرا أقول لمن يهمه الأمر: «إذا كان الأمر كذلك – وهو كذلك في رأيي – فلماذا يؤاخذ كثير من أهل الإعلامِ الإذاعيَّ والصحافيَّ، ويعاملونه معاملة من كانوا يعيثون ويفسدون في أرض الوطن؟ فهم أبواق ليست مسؤولة عما يصدر عنها لأنهم مثلها أدوات تبليغ. ونلاحظ أنّ البوق يُجمع على: أبواق وبيقان وبوقات، وقد استعمل المتنبي هذا الجمع الأخير مرة في شعره، فنقده النقاد على ذلك، لذلك أفضّل استعمالَ كلمة «روبوتات» لخفتها وشيوعها وذيوعها، على الجمعين العربيين الأخيرين لغرابتهما واستثقالهما وعدم استعمالهما. وأخيرا فإن جميع الأقلام والأصوات الجيدة تبقى جيدة في جميع العهود لا يجوز استبعادها عند الانتقال من عهد إلى عهد فهي صالحة لكل العهود. كان هذا الظلمُ فوْضَى فهُذِّبَتْ حواشيه حتى صار ظلمًا منظَّما