يعتبر المعبد اليهودي «الغريبة» بمنطقة الرياض بجزيرة جربة من أقدم الكنائس اليهودية في العالم إذ يعود تاريخه إلى 566 سنة قبل الميلاد ويمثل مزارا سياحيا يزوره آلاف اليهود للتبرك بالتوراة الموجودة فيه والتي تعتبر أيضا الأقدم في العالم والمشاركة في طقوس دينية نادرة كما يشكل المعبد وجهة لأكثر من ستة آلاف يهودي في شهر ماي من كل سنة لأداء شعائر الحج لمدة ثلاثة أيام يتوجهون إلى جربة من كافة أنحاء العالم بالإضافة إلى اليهود المقيمين في تونس والذي يقدر عددهم بحوالي ألفي شخص يقيم نصفهم في جزيرة جربة يعيشون في كنف الأمن و السلام مع سائر أبناء الوطن الواحد. في بداية شهر أفريل من سنة 2002 تعرض المعبد إلى هجوم انتحاري عن طريق شاحنة صهريج محملة بالغاز ومفخخة بالمتفجرات وأسفر الانفجار عن مقتل 21 شخصا غالبيتهم من السياح الألمان ومنفذ العملية وجرح ما يزيد على 30 شخص بالإضافة إلى الأضرار المباشرة التي لحقت بالمعبد على مستوى واجهته الأمامية وخلفت العملية في ذلك الوقت جدلا كبيرا وصدى عالميا واسعا خصوصا كونها تزامنت بعد أشهر قليلة من أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدةالأمريكية. توفي المتهم... فتحملها العم المتهم الرئيسي في هذه القضية هو نزار نوار و هو شاب تونسي 24 سنة مقيم بفرنسا تولى قيادة الشاحنة المتسببة في تفجير الغريبة وقد لقي حتفه في تلك العملية وبموت نزار دفنت معه عدة حقائق وأسرار قد تغير وجهة القضية برمتها وفي ظل غياب للأدلة الكافية وشح في المعلومات اتجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى أحد إفراد أسرته وهو عمه بلقاسم شريف نوار باعتباره الطرف الأقرب والشخص المناسب لتحمل هذه القضية. بلقاسم شريف نوار هو مواطن بسيط أصيل منطقة بن قردان رب أسرة تتكون من 4 أبناء وزوجة يعمل ميكانيكي سيارات في منطقة «الحارة الكبيرة» بجربة اتهم بالتمويل والاشتراك في عمل إرهابي ثم حكم عليه ب 20 سنة سجنا من أجل جريمة حق عام. محاكمة شكلية وتهم ملفقة بعد أن ظلت هذه القضية لسنوات طويلة في السرية والكتمان نظرا لظروفها وطبيعتها الخاصة بادرت الشروق بفتح ملف كان محرما فيما مضى فاتصلنا بأحد أفراد عائلة بلقاسم شريف نوار المقيمين في جربة الذي تحدث عن ظروف المحاكمة و شدة التعذيب والضغط الذي تحمله المتهم طوال فترة التحقيق حيث ذكر أنه في غياب المتهم الرئيسي في القضية (نزار نوار ابن أخ المتهم) تم تقديم بلقاسم شريف ليتحمل القضية، مدة التحقيق استمرت 4 سنوات من 2002 إلى 2006 تاريخ صدور الحكم. خلال الأربع سنوات ذاق بلقاسم مختلف ألوان العذاب، حيث كان كلما رفض الإمضاء على اعتراف ملفق يتم إرساله إلى أمن الدولة ليضرب موعداً جديدا مع التعذيب، 12 إنابة عدلية من قاضي التحقيق إلى أمن الدولة والبوليس السياسي. إمضاؤه على عدة محاضر غصبا كان يتم أحياناً وهو معلق. يوم المحاكمة طالب المحامون بملف القضية كاملاً فرفض القاضي مدهم به، وأشار إلى الملف الذي بيده وقال لهم «هذا هو الملف إلي باش تترافعوا عليه «فغادر المحامون القاعة ورفضوا المرافعة على قضية جاهزة مسبقاً. المتهم لم يقع استنطاقه أبدا وأصدر القاضي ضده حكما بالسجن لمدة 20 عاما ثم رفع الجلسة. حول بلقاسم بعدها إلى سجن 9 أفريل ثم السجن المدني بصفاقس إلى حدود يوم 15 جانفي الماضي تاريخ تسريح المساجين عاد بلقاسم إلى جربة وبعد أيم قليلة من استنشاق نسمات الحرية داهمت مجوعة أمنية مسلحة منزله لتعيده إلى سجنه من جديد. التعذيب لم يستثن أفراد العائلة أضاف مصدرنا أنه بخلاف التعذيب الذي ذاقه العم بلقاسم بمختلف أنواعه تعرض جميع أفراد العائلة للضغوطات والتتبعات القضائية رغم وجود مبدإ في القانون ينص على «شخصية العقوبة» فأشقاء المتهم كانوا ممنوعين من السفر لأن جوازاتهم كانت محجوزة ولم يتمكنوا منها إلا بعد 14 جانفي كذلك يوجد في العائلة من منع من مواصلة دراسته الجامعية و هناك من طرد من وظيفته كما وقع تهديدهم بمصير مشابه لو أثيرت القضية أو حتى مجرد الحديث فيها. وفي شريط فيديو تم تسجيله عندما كان في فترة سراحه في جربة حصلت «الشروق» على نسخة منه يتحدث فيه بلقاسم نوار عن ظروف محاكمته التي وصفها بالباطلة حيث تمت دون مرافعة ولا استنطاق كما نفى أن يكون له أي علاقة بتفجيرات الغريبة بل كان كبش فداء وضحية لما يسمى بقانون الإرهاب عانى فيها بلقاسم من الظلم والاستبداد وشهد فيها أمر العذاب الذي لا يمكن لأي إنسان أن يتحمله على حد قوله أما فيما يخص خروجه من السجن يوم 15 جانفي فقد أكد أنه تم تسريحه مع مجموعة من زملائه المساجين و لم يحاولوا الفرار كما ادعت بعض الأطراف في ذلك الوقت بالقاسم نوار تساءل عن سبب استثناء ملفه الوحيد من العفو التشريعي دون مبرر أو توضيح في حين شمل غيره. اليوم لا يزال بلقاسم شريف نوار يواجه مصيرا مجهولا مطالبا بتفعيل قرار العفو التشريعي و يناشد السلط السياسية والقضائية والمنظمات الحقوقية الوطنية و الدولية للنظر إلى ملفه وتمكينه من استرداد حقوقه و مساعدته على تجاوز سنوات الظلم و العذاب.