(جعفر حسين، باحث تونسي في علم الاجتماع) تتنامى التحديات التي تواجه العديد من المجتمعات في هذا العصر في سبيل تنميتها، فقد اتضح من خلال التجربة الانسانية الوطنية، أن معوقات التنمية في هذا العصر لا ترتبط بشكل كبير بالأوضاع الاقتصادية أو السياسية أو الدولية بقدر ارتباطها بحياة الفرد كمواطن لأنه اللبنة التي تبنى عليها أي تنمية يراد لها النجاح، وفي سبيل تحقيق هذا الأمر نجد الأصوات ترتفع منادية بالاصلاح في الوطن العربي، وان اتسم غالبية هذه الأصوات بالصبغة السياسية الا أنها في المجمل تصب في مسار التنمية البشرية وتدفع باتجاه رفع المعوقات، وزيادة وتسريع الخطوات التنموية لمصلحة المواطنين والأوطان . ان معوقات التنمية هي ذاتها من خلال تدوير الزوايا معوقات الاصلاح، وبتشخيصها ومعالجتها تتحقق الكثير من الاصلاحات وتنجح عمليات التنمية وكلما تجاوزنا عائقا عن الاصلاح تجاوزنا عائقا عن التنمية والعكس صحيح أيضا. وقد ازداد الاهتمام عالميا واقليميا وقطريا بهذه القضية بسبب الانفتاح الاعلامي والفضاء المفتوح وسرعة متابعة القضية وتدفق الكم الهائل من المعلومات حولها واتساع حجم الدوائر المهتمة بها ومشاركة الشعوب في صناعة القرار وكذلك بسبب تضرر مصالح الدول والمجتمعات من وجودها ولخطورة آثارها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية. وسنحاول في هذا التحليل تقديم مفهوما للفساد الاداري، متعرضين لجذوره وأسبابه وأشكاله. هناك تعريفات متعددة للفساد الاداري والمالي تتمحور حول اختلال سير العمل الاداري وانحرافه عن المسارات الصحيحة في الوصول لتحقيق أهداف الدولة بسبب تفشي الأخطاء والرشوة والمحسوبية واستغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة شخصية أو جمعية على حساب المصالح العامة. العلاقة متشابكة بين الفساد الاداري والفساد المالي فكل منهما يفضي الى الآخر فلا يمكن أن يسير أحدهما الا على مركبة الآخر، لأن وجود أرضية للفساد الاداري تفتح الشهية للفساد المالي والعكس صحيح أيضا . أما في مستوى الجذور، قلما يجد الانسان مجتمعا ما معافى أو دولة ما خالية من مشكلة الفساد الاداري والمالي لأنها مشكلة مرتبطة بطبيعة الانسان وفطرته وثقافته وبالتالي فهي قضية مؤرخة بجذور التاريخ البشري ووجوده على الأرض ، وكيفما كانت حقيقته ومكوناته تتشكل سلوكياته وانفعالاته. فالسلوك السوي أو المنحرف هو نتاج عملية تتفاعل فيها العوامل الحيوية الصادرة من داخل الفرد نفسه، والمؤثرات الاجتماعية كمصادر خارجية، فمن داخله غريزة وانفعال لذة التملك وغريزة الاستعانة بالغير بسبب الشعور بالعجز والحاجة الى المكانة والتقدير الاجتماعي والنجاح والأمن والحب.. فمنها دوافع فطرية وأخرى مكتسبة وبعضها مشروع وأخرى غير مشروعة. لذلك يحل الفساد أينما حل صاحب السلوك المنحرف ما لم يكن له رادع يردعه من قانون فاعل أو رقابة فعلية، هذه القاعدة تقلل من حجم الدهشة والتعجب من وجود الفساد المالي والاداري في المجتمعات والدول المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، أوفي كيانات دولية مثل هيئة الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية، والقبول نظريا بهدف البحث بوجود المشكلة في مجتمعات ودول العالم الثالث المتخلفة ، أما في الوطن العربي فقد تجاوزت كلفة الفساد 100 مليار دولار كما جاء في تقرير منظمة العمل العربية. بعد أن تطرقنا الى مفهوم الفساد الاداري وجذوره سنحاول التطرق الى أشكاله، حيث تعددت المعايير التي استخدمها المعنيون بدراسة وتصنيف الفساد الاداري فاتخذت ثلاثة معايير أساسية يمكننا تلخيصها بما يأتي : الشكل الأول معيار الرأي العام، قسم أنصار هذا المعيار الفساد الاداري الى ثلاثة أنواع جعلوا لكل منها لونا وهي (الأسود والأبيض والرمادي يكون الفساد الاداري أسودا عندما يتفق الجمهور والعاملون على سلوك معين على انه رديء أو سيّئ. وعندما يرضى الجمهور والعاملون على سلوك معين فان هذا السلوك يعد فسادا اداريا ابيض، أما عند غياب مثل هذا الاتفاق فأن الفساد يكون في هذه الحالة رماديا، وهذا يعني أن رجال الادارة عندما يعتبرون تصرفا ما سيئا قام به احد الموظفين وأدى بالتالي الى فشل أو نجاح معين فأنه يكتسب في هذه الحالة لونا اسودا أو أبيضا ، أما اذا لم يحصل هذا العمل أو التصرف على قبول أورفض كلي فأنه سيتخذ لونا رماديا . الشكل الثاني، معيار الممارسين للفساد ووفقا لهذا المعيار فان الفساد الاداري اما أن يكون فسادا فرديا أوتنظيميا, فالفساد الفردي يتمثل بالنشاطات والسلوكيات المنحرفة التي يمارسها فرد معين لتحقيق مصالح شخصية ، أما الفساد النظمي فأنه يتمثل بالنشاطات المنحرفة التي تمارس من قبل منظومة أو منظومات فاسدة وهي في العادة تضم مجموعة من الأفراد قد يكونوا جميعا من داخل الأجهزة الادارية المعنية بممارسة الفساد الاداري أو يكون بعضهم من خارج تلك الأجهزة ولكن يرتبط بمصالح شخصية معينة مع جهات خارجية .