فتر خلال الأيام الأخيرة اهتمام الرأي العام والنخب بالمسائل السياسية، وتراجع الجدل والنقاش حول أهم الخيارات المستقبلية تحقيقا لأهداف الثورة، وتدنى بذلك سقف المطلبية والاستحقاقات، وهو ما فرض سكينة وهدوءا في الشارع السياسي تتيح عديد القراءات والتأويلات. البعض يرى أن الحكومة المؤقتة توفقت الى امتصاص دواعي الحركة الاحتجاجية بتلبية كل المطالب الوطنية المرفوعة ومنها حل التجمع الدستوري الديمقراطي ومصادرة أملاكه وتحرير تكوين الأحزاب والصحف والمؤسسات الاعلامية وترسيخ حريات التعبير والتظاهر والاجتماع اضافة الى العفو التشريعي العام واعادة المساجين الى سالف عملهم. وفي المقابل يرى آخرون أن مرور شهرين ونصف على الثورة وتنقية الاجواء السياسية واقرار الحريات أدت الى فرض مناخ الهدوء والتعقل والاقتناع بأن تحقيق أهداف الثورة يتطلب انخراطا جماعيا في العمل من أجل المصلحة العامة تتأجل معه تلك اللهفة المحمومة على تحقيق كل المطالب والاستحقاقات الفردية والتي ميزت الأسابيع الأولى التي تلت الثورة. واذا كان الجميع على قناعة كبيرة بأن الملف السياسي شهد اجراءات ثورية كانت قبل أشهر فوق الأحلام فإن غالبية التونسيين يشعرون بأن الحكومة المؤقتة مازالت مقصرة في مسائل التنمية والتشغيل رغم الكلام الكبير والوعود الكثيرة التي تم اطلاقها قبل شهرين التي بقيت بلا تجسيم وظلت الجهات الأقل تنمية تعاني وأهلها من الفقر والخصاصة والبطالة، وبدأ البعض يحس أن أحلامهم سرقت منهم أو تكاد. وتبدو حكومة قائد السبسي مهددة باهدار رصيد الثقة الذي اكتسبته خاصة وأن البعض يعيب عليها ضعف سياستها الاتصالية وتواصل التعتيم حول عديد مسائل حيوية ظلت بلا اجابة ولا يمكن الحسم فيها فقط بحسن النوايا في عمل الحكومة، ومنها ملفات استرجاع أموال الرئيس المخلوع وأصهاره وأقاربه وبطانته، ومصير عصابات الفاسدين والمتآمرين على البلاد والقناصة وقتلة خيرة شبابنا... ويعيب كثيرون على الحكومة عجزها عن الدفاع عن هيبة الدولة ووضع حد لتجاوزات بعض الأفراد والمجموعات أو الهياكل التي أصبحت تولي وتعزل المسؤولين في مختلف الدرجات والمسؤوليات، وأيضا تساهلها وصمتها أمام خرق وضرب التشريعات الاجتماعية وقوانين الشغل عند تنفيذ الاضرابات والاعتصامات وايقاف الانتاج ومحاولة القفز على قرارات أصحاب المؤسسات أو المسؤولين عنها... اننا اليوم في منعطف خطير يهدد الثورة وعلى الجميع ادراك عواقبه في اتجاه مضاعفة جهود التنمية وفرض الأمن وتطبيق القانون والضغط على الحكومة من قبل الاحزاب ومكونات المجتمع المدني بالأفكار والمقترحات وليس بالكلام والشعارات.