تمرّ اليوم ستّة أشهر على تتويج الثورة التونسية وسقوط نظام الاستبداد لكن البلاد لم تستفد وظلت تراوح مكانها ولم تقو على تحقيق أهداف الثورة. وفي الحقيقة فإن مسؤولية الاخفاق مشتركة بين الحكمة الحالية والسابقة ومكوّنات المجتمع المدني والمواطنين.فالحكومة الأولى أضاعت قرابة شهرين دون أن تحقق أي شيء من وعودها الكبيرة وخاصة في ما يتعلق بالتشغيل وتنمية الجهات فضاعفت من إحباط المتساكنين وأساسا طالبي الشغل الذين وجدوا أنفسهم يقبضون على الهواء، اضافة الى أنها رضخت للشارع وقبلت تقزيم هيبة الدولة والتطاول عليها فانفض الجميع من حولها وفقدوا الثقة بها. ولم تكن حكومة السبسي أفضل حالا إذ جاءت فاقدة للشرعية ولم تتوفق في ادارة الأزمة وايجاد حلول لها مقابل تساهلها في اللجوء الى التداين الخارجي وهو ما أجج الغضب الشعبي والاحتقان خاصة بعد التصريحات الاستفزازية والتعيينات المريبة التي قام بها رئيس الحكومة المؤقتة والتي أثارت انتقادات واسعة تنذر بعودة الاعتصامات وغيرها من أشكال الاحتجاجات العامة. وفي المقابل فإن العلاقات بين الأحزاب السياسية ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي بدأت تتوتر وتتالت الانتقادات والتضييق المتعمّد على الاجتماعات العامة وبرز الاختلاف في أكثر من هيكل ولقاء سياسي وتفككت ائتلافات وتعطّل العمل المشترك وهو ما خلق أجواء لا تشجع على عقد انتخابات حرة ونزيهة في كنف الاحترام وقبول إرادة الناخبين وصندوق الاقتراع خاصة بعد التلميحات الصادرة من هنا وهناك والتي أصدرت مواقف استباقية للنتائج القادمة في محاولة لتوجيه رأي الناخب واتجاهات تصويته وفرض ديمقراطية مشروطة. وتتواصل الفوضى في الشارع في غياب الاستقرار الأمني وتعطل أغلب أجهزة ومؤسسات الدولة أو عجز المشرفين عليها على اتخاذ القرار السليم وهو وضع سمح للكثيرين بفرض سلطانهم وخلق قوى موازية ورفع سقف المطلبية عاليا وهوما عطل جهاز الانتاج في عدة جهات الذي يعاني من الارهاق ومخلفات الحرق والنهب وفقدان الحرفاء. وتتالت في أكثر من مدينة حالات العنف التي خلفت جرحى وقتلى لأسباب واهية نتيجة النفخ في رماد العروشية والجهوية وايقاظ نار الفتنة. إن بلادنا اليوم في منعطف خطير يحتم على الجميع تغليب لغة الوفاق والانتصار للثورة وأهدافها والعمل على عدم اضاعة الوقت والحرص على خلق مناخ ملائم لتنمية البلاد وحفظ الثورة من الانتكاس.