«.... سوف نناضل حتى الرمق الأخير وإن متنا... نموت واقفين... سرقوا أحلامنا وامتصّوا دماءنا وأخذوا منّا أحلى سنوات العمر.. ونحن هنا لنقول يكفي... فلنا الحق في الحياة ولسنا على استعداد لانتظار نتيجة كاباس أو «كابوس» قد لا يأتي حتى الممات... لا ننتمي الى حزب سياسي او جمعية نحن أفراد جئنا من كل جهات البلاد يجمعنا شعار واحد هو الشغل... ثم الشغل... ثم الشغل.. ولن نوقف اضراب الجوع حتى تتحقق مطالبنا». عبارات مشحونة بالعبرات وكلمات ليست هي الأخيرة نقلناها مباشرة من أمام وزارة التربية حيث يعتصم 40 أستاذا وأستاذة منذ 36 يوما دفعتهم الحاجة الى حق مشروع تحوّل الى حلم في عهد طُمست فيه الحريات وبخّرت سنواته الأحلام.. «الشروق» زارت المعتصمين على عين المكان ورغم استيائهم من وسائل الاعلام وخاصة المرئية منها التي نعتوها بالتعتيم الاعلامي استقبلونا بكثير من الترحاب رغم الظروف التي يمرّون بها داخل تلك الخيام التي اتخذوا منها بيوتا لهم. هم أساتذة منهم المتحصلون على الماجستير والدكتوراه تراوحت فترة بطالتهم من سنة الى 21 سنة اعتصامهم انطلق يوم 23 فيفري وهو أطول اعتصام يسجّل ما بعد الثورة لكن مطالبهم لم تتحقق ولم يظفروا حتى بوعد يريحهم من عذاب الانتظار وهو ما دفعهم للدخول في اضراب جوع منذ 4 أيام لكن الى حد لحظة كتابة هذه الأسطر لم يصلوا الى أية نتيجة. حسب تصريح البعض منهم. نخبة المجتمع ومربّو الأجيال يعيشون تحت الخيام مفترشين «بالوعة» تصريف المياه غير عابئين بالبرد... والخوف... والغد المجهول.. الشغل ثم الشغل... «لم يتصل بنا أي مسؤول ومنعونا من مقابلة الوزير رغم اننا هنا امام الوزارة..» يقول الأستاذ سيف الدين وهو متحصل على الماجستير «ليس لدينا اي انتماء سياسي جئنا من كامل ولايات الجمهورية نطالب بحقنا في التشغيل... نريد أحدا يسمعنا... لم تعد لدينا ثقة في الحكومة المؤقتة ولا في الاعلام المرئي ولا في المسؤولين..إما ان تنقذوا الموقف أو تنسحبوا »... يضيف سيف الدين بكلمات اختنقت في حلقه من فرط جوع وعطش تمكنا منه منذ 4 أيام... القناة التونسية تدخل للتصوير مع الوزير ولا تلتفت الينا «نسمة» كذلك... لماذا هذا التعتيم الاعلامي... ألا نستحق لفتة بعد هذه الثورة التي قامت من أجل البطالة والقطع مع كل هذه الأساليب!! كفانا مناظرات في الجانب الاخر جلست أستاذة العربية دليلة بلحاج سالم تمعن النظر في زملائها الذين يحملون في داخلهم حلمها ألا وهو «التشغيل ثم التشغيل ثم التشغيل» على حد تعبيرها... تقول دليلة: «يكفينا مناظرات وتهميشا ورشوة نحن لا نطلب «صدقة» هذا حقنا سرقوا أحلامنا وامتصّوا دماءنا وأخذوا أحلى سنوات العمر... لن ننتظر ساعة أخرى.. حوّلونا الى جثث بحرماننا من الشغل... دخلنا في اضراب جوع ولن نتراجع نشتغل او نموت...». زميلتها مريم شفطر كانت تقاسمها الفراش وتقاسمها الأفكار والمطالب تقول مريم: «حقنا شرعي واعتصامنا سلمي ولن نستسلم ولن نتنازل. هذه ثورة شباب وثورة بطالة لكن للأسف لم يشتغل «البطال» ولم تتحقق مطالب الشباب. هذه ثورة احزاب وصراع على الكراسي.. نحن لا حاجة لنا لا ب «الكراسي» ولا بأحزاب.. حاجتنا للشغل فقط... نحن نستغيث والكل أصم لا يسمعنا... مهمشون قبل وبعد الثورة الى متى سنبقى على هذا الحال؟! صمت وتعتيم بأعين دامعة على زميل (سامي الوسلاتي) تدهورت صحته بسبب اضراب الجوع ورفض العلاج بسبب صمت الوزارة تقول الأستاذة وسيلة العوني «اتصلنا بكل الوزارات وبجل وسائل الاعلام لكن دون جدوى لم يتصل بنا أحد... 40 أستاذا وأستاذة عانوا من سوء التغذية ولم يأتنا طبيب واحد واليوم يموتون من اضراب الجوع والكل صامت... خسارة والله... لو يشعرون بنعمة هذه الثورة التي أتتهم في زمن لم يعرف الثورات... إني أبكي لأن هذا الزميل قد ينضاف الى قائمة الشهداء ولن يتذكّره أحد... أبكي هذه الثورة التي سيفتكها منّا «الطرابلسية» الجدد. الانتصار قادم.. بباقة ورد وشعار رسمته على صدرها «عاهدت أمي ألا أعود الا منتصرة» وقفت الأستاذة خميسة (أستاذية في الايطالية درجة 3 تركية وروسية) بجانب ضريح أطلقوا عليه اسم «ضريح الأستاذ البطّال مقتول برصاصة اسمها «الكاباس» تحدثت الينا بنبرات مشحونة بالأمل والألم «سنناضل حتى الرمق الأخير وإن متنا سنموت واقفين... عاهدت أمي أن أعود منتصرة.. وسأعود اليها منتصرة.. لا أريد نجدتي بل أريد تحقيق مطالبنا.. ساقتنا الى ذاك المكان أشعة شمس يوم ربيع ابتهجت فيه القلوب... وعدنا من ذاك المكان تحت سحابة سوداء ودويّ الوعد في يوم كثرت فيه الغيوم وهطلت امطار غزيرة فبقينا للحظات نتساءل عن هؤلاء المعتصمين اين سيختبئون من ذاك البرد ومن تلك الأمطار؟ إلا أنهم لن ينسحبوا ولن يغادروا مهما قست عليهم الطبيعة فهم يعلمون جيّدا ان قساوة الطبيعة لن تكون أشدّ من قساوة البطالة... لذلك هم صامدون ينتظرون من يستمع اليهم مطالبين بالتحرّك الفوري والفعلي لوزير التربية. «إما الشغل أو الموت» هكذا كانت آخر كلماتهم..