احتضنت مدينة «زاكورة» المغربيّة أيام 19 و20و 21 مارس تظاهرتين شعريّتين، التظاهرة الأولى فهي مهرجان الشعر العربي الافريقي الذي نظّمه بيت الشّعر المغربي بالتّعاون مع الصندوق العربيّ للثقافة والفنون، والتظاهرة الثانيّة فهي الاحتفاء باليوم العالمي للشّعر. وقد اختارت هيئة بيت الشّعر، عن وعي، مدينة زاكورة لاحتضان هاتين التظاهرتين لما للمدينة من وشائج قويّة تشدّها إلى القارّة السمراء. ففي هذه المدينة «يمثّل العنصر الزّنجيّ أحد العناصر الثقافيّة والاجتماعيّة الفاعلة» فضلا عن «كونها شاهدة على عمليّات العبور الثقافي والانساني بين المغرب وافريقيا وعلى التلاقح الحضاري بين شمال إفريقيا وجنوب الصحراء» على حدّ عبارة الشاعر مراد القادري. والواقع أنّ مدينة زاكورة التي اصطبغت بألوان الرّمل حتّى اختلطت حمرتها بحمرته كانت، على امتداد تاريخها الطويل، عاصمة للصحراء المغربيّة، منها كانت تنطلق كلّ القوافل المتحدّرة الى الجنوب، الى ممالك مالي والسينيغال والنيجر. هذه القوافل لم تكن تحمل الذّهب والرّخام والملح فحسب وانّما كانت تحمل الدّفاتر والمخطوطات وأدوات الكتابة كما تشهد على ذلك زوايا الجوار الافريقي خاصّة في منطقة تمبكتو. عن هذا التّاريخ الحافل بصور التفاعل بين الاعراق والأجناس واللّغات ورثت المدينة الحمراء ثقافتها المتنوّعة المتعّددة، ففيها تتداخل العناصر العربيّة بالعناصر الافريقيّة والأمازيغيّة تداخل تواشج وتمازج... هذا التداخل لا نلحظه في سحنات الوجوه فحسب في مختلف الفنون والصناعات، في الموسيقى والرّقص وآلات الغناء، وأنواع الحلّيّ. فعلى أرض « زاكورة» تلاقت روافد ثقافيّة وحضاريّة مختلفة متعدّدة، لكنّها الروافد التي ظلت، على اختلافها وتعدّدها، تحيا في كنف العافيّة. لهذه الأسباب مجتمعة اختارها بيت الشّعر لتحتضن هاتين التظاهرتين... مهرجان الشّعر العربي الافريقي أكّد الشاعر مراد القادري رئيس بيت الشّعر أنّ هذا المهرجان يروم، في المقام الأوّل «بناء جسر قويّ بين المدوّنتين الشّعرّيتين العربيّة والافريقيّة» مشيرا إلى «أهميّة المكوّن الافريقي الزّنجيّ في المدوّنة الشّعريّة العربيّة وحضوره في شتّى أشكال التعبير» موضّحا أنّ «هذا المهرجان يعدّ تحيّة للقّارّة السمراء ولمرجعّياتها الخياليّة والوجدانيّة والرمزيّة وفخامتها الرّوحانيّة...». إلى هذه المعاني نفسها ذهب الشاعر رشيد المومني نائب رئيس بيت الشعر في كلمته الافتتاحية حين قال: «إنّ هذا المهرجان يحرص على ربط الجسور بين أصوات شعريّة عربيّة افريقيّة قد تبدو في الظّاهر مختلفة لكنّها في العمق متداخلة». موضّحا أنّ بيت الشّعر عمل على استدعاء أصوات شعرية عربية وافريقيّة عديدة «لإتاحة الفرصة للحوار بين ثقافتين قريبتين ما فتئتا تتباعدان». من بين الفقرات الأولى لهذا المهرجان عقد أمسيات شعريّة بمشاركة أربعة عشر شاعرا عربيّا وافريقيّا نذكر منهم عيسى مخلوف، محمد بنطلحة، رشا عمران، أحمد المسيح، أحمد الشهاوي، رشيد المومني، الشاعر الكامروني بول داكيو، الشاعر السينغالي ما رويا فال... كما انتظمت، الى جانب القراءات الشعريّة، ندوة حول «الزّنوجة في الشّعر العربيّ» مهداة الى الشاعر العربيّ المقيم في المغرب محمد الفيتوري. وقد انعطف المتدخلون، في هذه الندوة ، على مفهوم «الزّنوجة» بالنظر والتحليل فهو، كما أوضح بنعيسى بوحمالة «موصول بحيثيات لصيقة بتاريخ افريقيا وتماسّها الدّراماتيكي مع العالم الأبيض» فاستحضار هذا المصطلح يفضي بالضرورة الى استحضار التّاريخ، تاريخ الذّاكرة الافريقيّة التي رزحت، ولاتزال، تحت وطأة جرح جزيرة « غوري» السينغالية». من هذه الذّاكرة المدمّاة انبثقت كتابات الرعيل الأول من النخبة السّوداء، تحتفي بالزّنوجة بوصفها شكلا من أشكال المقاومة، وطريقة من طرق توكيد الهويّة.