سبها الشروق ( أمين بن مسعود ): مسافة ليلة ويوم استغرقتها رحلتنا من طرابلس إلى سبها إحدى المدن الليبية الأكثر تعرضا للقصف العسكري الغربي . 820 كيلومترا قطعتها سيارتنا ومعها قطعنا سباسب شاسعة وصحارى واسعة واخترقنا واحات تفيأنا ظلالها لنيل قسط من الراحة , ومعها أيضا لاحت شواهد القصف الغربي الذي استهدف خطا جنوبيا وسعى إلى قطع أوصاله . مزدة, الشويرف, وسبها كانت خلال الأيام القليلة الماضية مسرحا لعدوان غربي لم يهدأ ولم يفرق بين مواقع عسكرية وأخرى مدنية .. نعم هكذا حدثتنا آثار الدمار وشواهد الخراب وروايات الأهالي في كل مكان . دخلنا سبها بعد غروب الشمس وإرخاء الليل سدوله , كل العيون كانت تتطلع إلى السماء ترقبا لحركة طيران ورصدا لأية مستجدات عسكرية تأتي من الجوّ . وعلى الرغم من حالة التوجس التي تعم المدينة فإن الأهالي أبوا إلا تحدي الطيران ومواصلة حياتهم بشكل عادي , ذلك أنهم يصرون على التفريق بين الخوف على النفس والأهل وهو أمر فطري وبين استبداد هذه الحالة بالإنسان وشلها لحركته وحياته . ثنائية «التوجس والتحدي» تجدها متكرسة في «منتزه العلالة» الذي تحول إلى مركز إيواء لبعض العائلات المنكوبة جراء القصف .. هنا افترشت العائلات الأرض وتلحفت السماء وصار «المنتزه» مجالا للتطرق إلى المآسي التي لحقت بالبلاد وللتحسر عن واقع «يقولون عنه أنه لم يكن أي داع لينفجر» وللتوجس من نهايات الوضع .. حتى العجائز الركع والأطفال الرضع لم تنساهم الأزمة واتوا متحسسين لمكان قد يكون أأمن من أحيائهم التي عمها القصف . هم يلومون الإعلام عامة والإعلام العربي خاصة على نسيانه وتناسيه لأزمتهم الإنسانية وانجراره وراء أحداث «التطهير» و«التحرير» على الرغم من كونهم جزءا مهما من الحدث الليبي ككلّ . يقولون إن العدوان جعلهم على قلب رجل واحد وفي مصير واحد وضد عدوان أوحد , وأن الحرية والديمقراطية وحتى حماية المدنيين لم تكن ولن تكون بصواريخ «توماهوك» و«كروز» التي لا تفرق بين عسكري أو مدني ولعلها تصر على ذلك . نعم هو عدوان لا يفرق بين مدني وعسكري ولا يميز ايضا بين الليبيين واصحاب الجنسيات الأخرى ذلك أن السودانيين واللبنانيين والفلسطينيين أبوا إلا أن يقاسموا إخوانهم الليبيين أحزانهم كما قاسموهم وسيقاسموهم أفراحهم ...وفق ما يؤكدون .. تأبى ليالي سبها ان تمر بسلام وأمان ,, فبمجرد أن يدخل الليل في ثلثه الأخير حتى يبدا القصف ومعه تدخل البلدة في مأساة ومعاناة .. لم نتجاوز الساعة الثالثة صباحا من ليلة الأربعاء التي امضيناها في سبها حتى احمرت السماء ودوى هدير الطائرات وسمعنا أكثر من انفجار في أكثر من مكان .. هكذا تمر الليالي في سبها ,,وهكذا يعيش أهلها .. من بينهم الحاج بوزيد الذي اخترقت قذيفة الطابق العلوي من بيته وقسمته نصفين ولو لا ألطاف الله سبحانه وتعالى لسقط البيت على عائلته .. من بينهم أيضا السيد محمد علي بن بلقاسم الذي أصيب بيته بصاروخ -أو شظايا صاروخ- فدمر جزءا من منزله وأحرقه بالكامل .. ومنهم السيد عيسى محمود عبد القادر الذي علم الرعب –علم اليقين- بعد أن اخترق صاروخ الطابق العلوي من بيته . روايات محزنة ومفزعة في سبها – تبدأ من الأطفال الذين قطعوا دراستهم ولاتنتهي عند بعض النسوة اللواتي أجهضن جراء القصف – بيد ان الأكثر إيلاما كامن في المشهد وقديما قالوا العين أصدق نبإ من الخبر . وضعتنا سيارتنا أمام مستشفى 2 مارس بسبها ومنه بدأ مشهد اخر من مسلسل العذاب ...