بعد تاريخ 14 جانفي 2011 تجند كلّ الشعب بمختلف فئاته الفكرية والمذهبية لحماية انتفاضة شباب تونس المجيدة من الإنزلاقات التي قد تحدث وتحيد بها عن الأهداف المنتظرة المتمثلة خصوصا في الحرية والكرامة. وأمام الارتباك الذي تميزت به حكومتا الغنوشي تجمعت كل القوى السياسية والنقابية والمنظمات الاجتماعية وجبهة 14 جانفي لتكون وسيلة ضغط على السلط وصمام أمان لتأسيس الثورة المنشودة فلقيت هذه الجبهة تأييدا شعبيا واسعا وتفاعلت المناطق الداخلية مع خطابها مما جعلها تتوسع لتصبح لجنة حماية الثورة وتضم إليها العديد من المكونات الشعبية الأخرى وهذا التوسّع محمود لما يمثله من ضمان لتحقيق أهداف الإنتفاضة وهي الثورة وتشريك أقصى ما يمكن من متتبعي الشأن السياسي في مراقبة العمل الحكومي وصيانته من كل انتهازية قد تعيد البلد إلى ما قبل تاريخ 14 جانفي وذلك بالمراقبة المتواصلة والضغط المدروس مع توعية شباب الانتفاضة بكل ما من شأنه أن يحيد بأهدافهم في الحرية والكرامة عن مصارها الصحيح، لكن العجيب والغريب هو مطالبة هذه اللجنة التي من المفترض أن تحمي الممارسة الديمقراطية للسلطة وتأطّر الشعب التونسي في كيفية ممارسة حقوقه والمشاركة في سلطة القرار عبر الانتخاب الحرّ والنزيه باختصاصات واسعة لا يتمتع بها إلا رئيس في نظام دكتاتوري مثلما كان عليه في عهد بن علي حيث طالبت بسلطة تقريرية وسلطة إصدار الأوامر والقرارات في الفترة الانتقالية وبسلطة استشارية قبل تعيين أي مسؤول وسلطة رقابية على القضاء والصحافة، هذه السلط أرادوا تحقيقها لا عن طريق الانتخاب والمرور عبر صندوق الاقتراع بل بواسطة مرسوم يصدره رئيس مؤقت الشرعية الانتخابية! والسؤال الذي طرح في حينه، ولم نتلقّ إجابة عنه إلى حدّ اليوم هو ما هي مشروعية هذه اللجنة التي تطلب كلّ هذه السلط الهامة دفعة واحدة؟ هل هي غنيمة الثورة التي لم تكتمل بعد؟ أم هو التعطش إلى ممارسة السلطة حتى على حساب اختيارات شباب الانتفاضة؟ فالسلط التي طلبتها لجنة حماية الثورة هي بكل بساطة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية مجتمعة وهي سلط ناضل من أجل تفريقها وتنظيمها أجيال متلاحقة من مناضلي الشعب التونسي. إن هذا المطلب وبهذه الطريقة يجعلنا ندقّ ناقوس الخطر خوفا على مستقبل تونس المتمثل في النظام المدني الذي يقوم بالضرورة على تفريق السلط لا جمعها في يد شخص واحد، مادّي كان أو معنوي. كما ان هذا المطلب يمثل منبعا للفزع من بعض المكونات الفكرية والسياسية للجنة والتي تعتقد في صحة هذا الطلب المتمثل في ممارسة جميع السلط عن طريق مرسوم، كما ان الخوف يكمن في أن النخبة التي طالبت بهذه السلطات على الرغم من افتقارها للمشروعية الانتخابية وللمشروعية الثورية التي هي ملك لشباب الانتفاضة متجاوزة بذلك مطلب هذا الشعب في الديمقراطية والحرية والكرامة.