القضاء العادل هو المؤهل الوحيد لحرمان المواطنين من حقوقهم المدنية ليعلم من لا يعلم أو من يريد أن لا يعلم إن المسؤولين والمنتمين إلى التجمع الدستوري الديمقراطي وبالمعنى التي تريده اللجنة العليا هم صنفان: 1) المعينون من طرف رئيس الحزب وهم بالأساس أعضاء الديوان السياسي وأكثر من نصف أعضاء اللجنة المركزية وكذلك الكتاب العامون للجان التنسيق والكتاب العامون المساعدون لهم والأمناء العامون المساعدون للأمين العام للحزب وكذلك المستشارون بالأمانة العامة. 2) المنتخبون من قواعدهم مباشرة : هيآت الشعب والجامعات وأعضاء اللجنة المركزية (وحصتهم أقل من نصف جملة أعضاء اللجنة المركزية وبالتالي لا يمكن لهم بأي حال تشكيل أغلبية). وأعضاء اللجنة المركزية المنتخبون يتم انتخابهم في ثلاث مراحل: انتخابهم أولا من بين المنخرطين للحصول على نيابة للمؤتمر ثم ثانيا من أعضاء الهياكل القاعدية والمحلية والجهوية بالجهة ومن ينجح منهم يمر إلى المرحلة الثالثة وهي الانتخابات الوطنية وهي عملية يرى كل الملاحظين أنها طريقة على غاية كبيرة من الديمقراطية والصعوبة لم ينتهجها أي حزب بتونس أو بخارجها وبالتالي فإن عملية انتخاب هؤلاء تمكنهم من أرضية شعبية لا ينازعهم فيها أحد وهم يمثلون بصفتهم تلك ناخبيهم ويتكلمون باسمهم خاصة في وضع خيارات تترجمها لوائح مؤتمر الحزب المرجع الوحيد لممارسة المنتخب الصفة التي انتخب لها. لذا فأعضاء اللجنة المركزية لهذا الحزب وغيرهم من المنتخبين من منخرطيه والمنتمين إليه الذين عوقبوا جماعيا مرة أولى بحل حزبهم جراء سلوك رئيسه ويراد معاقبتهم ثانية بالإقصاء من العملية السياسية هم لا يتحملون مسؤولية بل يحملون صفة تمثيلية لشريحة من المواطنين ولا يمثلون رئيس الحزب الذي ليس له أي دخل في انتخابهم وهم يحترمون مشاعر التونسيين الذين نادوا بحل هذا الحزب لأنهم بدورهم، يرفضون العديد من المسائل والممارسات التي كشفتها الثورة ويستخلصون العبرة منها بكل أمانة خاصة إن كان للبعض منهم نية مواصلة العمل السياسي، لكن يجب أن تتم مقاضاتهم على الأفعال الشخصية التي قد يكون إرتكبها البعض منهم في حق هذا الشعب أو عند إثبات خروقات منهم للقانون الحالي المنظم للأحزاب ومحاسبتهم ممن انتخبهم في حالة إلحاقهم ضررا بهم وضرورة التعاطي معهم بالطريقة التي أجازها الطيف السياسي بعد الثورة في ما يحدث اليوم من تجاوزات خطيرة في حق المجموعة الوطنية لمنتمين لبعض الأحزاب دون تحميل أي مسؤول حزبي لتبعاته. وبما أنه تم اعتماد وتطبيق فصول قانون 3 ماي 1988 المنظم للأحزاب السياسية في تونس في حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، فان إقصاء أي منتم لهذا الحزب من العمل السياسي لا يجب أن يتم الا بمقتضى هذا القانون الذي ينص في فصليه 18 و 25 على العقوبات الخاصة بالمؤسس والمسير والعضو بالحزب وفي حالة حرمان الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي أي تونسي من ممارسة حق فوضه له مجموعة من المواطنين من منطلق قانون مازال ساري المفعول أحدث بمقتضاه عشرات الأحزاب بعد الثورة، فذلك يعتبر جرما في حقه لأن هذه الهيئة العليا تريد اغتصاب صفة المشروع للبت في مسألة تخص حرمة الأشخاص وتدين من تريد إدانتهم وتصدر في شأنهم أحكام الإقصاء والحرمان من حقوق أساسية تضمن القوانين الوطنية والمواثيق الدولية التي التزمت بها الحكومة المؤقتة. فكيف يمكن لهؤلاء (الفاقدون للشرعية الشعبية وللمشروعية الثورية وحتى للمشروعية التوافقية) الذي لم يأت بهم إلى هذه الهيئة العليا سوى مرسوم رئيس الجمهورية المؤقت أن يتقمصوا صفة المشرع وأن يأتمنوا على إقصاء من يريديون من تونسيين لهم الشرعية الشعبية ولو كانت نسبية في تعاطي العمل السياسي النظيف ويبيضون من انتهك شرعية المسؤولين المنتخبين ديمقراطيا من منخرطيهم. إن المتمسكين بهذا النهج الإقصائي من منطلق قرار هيئة لا يتمتع أعضاؤها بأي تفويض شعبي تقصي وتبرئ من تشاء، تريد انتحال صفة المشرع وهو ما يعاقبه عليها القانون المعتمد في البلاد إلى حد اليوم فهي تتجاوز مجال القضاء العادل وهو المخول الوحيد لإدانة من ثبت جرمه في حق الشعب التونسي وفي حق أي مواطن، وهي تدوس سيادة الشعب من خلال وضع آليات لابتزاز صناديق الاقتراع التي يجب أن تبقى الفيصل الوحيد في إقصاء من لا يرغب فيه الشعب وليتنافس المتنافسون وليثق الجميع في صناديق الاقتراع لتأمين انتقال ديمقراطي وطني سلمي وسريع. إن القضاء العادل هو المؤهل الوحيد لحرمان المواطنين من حقوقهم المدنية والضامن الوحيد لتأمينها ما أن تسلب منهم بدون موجب قانون ، وما يحدث اليوم هو تحد للسلطة القضائية التي ستبقى دائما خارج الصراعات السياسية ولأن هذه المسألة المطروحة هي بالأساس سياسية ذات بعد انتخابي محدد من أجل موقعة ونصرة أحزاب معينة وجدت نفسها تسيطر على آلية انتقال ديمقراطي بعيدا عن حماية المسار الثوري تبرأ منها عامة التونسيين من خلال سبر الآراء الذي قامت به مؤسسة «قلوبال سارفيس مانجمن» GMS بين 20 أفريل و 2 ماي 2011 حول «التونسيين والسياسة والانتخابات» عبر حوالي 75 ٪ ممن شملهم سبر الآراء أن الهياكل المنبثقة عن الثورة ويتكلمون باسمهم (من ذلك الأحزاب والأطراف السياسية والهيئات واللجان وغيرهم) لا يمثلونهم ولا يمثلون أفكارهم. والمطلوب اليوم من كل التونسيين والتونسيات تجاوز أخطاء الماضي التي شارك فيها الجميع بدون قصد في جزء منها ولو بالصمت ومحاسبة وإقصاء كل من أفسد ومن استبد وتعسف مهما كان انتماؤه دون أي حصانه ودون حصر ذلك على من انتمى لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، ولننظر جميعا إلى المستقبل برؤية وطنية متفائلة توحدنا جميعا من أجل مناعة هذا الوطن العزيز وارجاع السيادة للشعب من خلال مصالحة تؤمن التوافق على استفتاء شعبي حول المسائل الخلافية والطرق المؤدية إلى انتقال ديمقراطي ثابت وسريع وشفاف يحمي البلاد من كل مخاطر الفتنة والتفرقة ويبني لمستقبل واعد يؤمن الحرية والكرامة للجميع وفاء لأرواح الشباب الذين استشهدوا من أجل ذلك.