يتواصل اعتصام اعوان وموظفي البريد التونسي، أمام مقر الديوان الوطني للبريد بالعاصمة لليوم الرابع على التوالي، فهذا نقابية يمسك مكبّر صوت واقفا أمام المدخل الرئيسي للديوان يخطب لذلك العدد الكبير من الموظفين، والأعوان المنصتين الى خطابه، والمتحمسين له بالشعارات والتصفيق المتواصل، وذلك زميل آخر يندّد في خطاب آخر بالتجاوزات الحاصلة في السابق، ويطالب باسم زملائه بتلبية مطالبهم، وإلا سيتواصل الاعتصام مفتوحا الى أجل القبول بهذه المطالب وتلبيتها. السيد بلقاسم النمري، هو أحد هؤلاء النقابيين، وهو كذلك الكاتب العام للفرع الجامعي للبريد والاتصالات ببن عروس لاحظ وجودنا بالمكان فأبى إلا أن يوضّح ل «الشروق» عدة نقاط تهم الاعتصام. «اعتصامنا ليس «بدعة» جاء بها أعوان البريد وموظفيه، هو مجرّد حركة احتجاجية عرفتها عديد القطاعات والمؤسسات من قبل وفي كل أنحاء العالم...»، يقول السيد «بلقاسم» تعبيرا عن استيائه مما يتداوله البعض من أن هذا الظرف صعب، ويعطّل اقتصاد البلاد ليضيف محدّثنا في هذا الصدد: «لا نتصوّر أن اعتصامنا لمدّة قصيرة سيعطّل اقتصاد البلاد، كما عطّل اقتصادنا على مدى 23 سنة». كان السيد بلقاسم يحدّثنا بهدوء أحيانا، وبانفعال أحيانا أخرى، حتى يتراءى لك الرجل وكأنه متأرجحا بين ألم السنوات الطويلة التي مرّت، وبين أمل الحاضر والمستقبل الذي سيصنعه رجال تونس ونساؤها. «كنا سنقوم باعتصام يوم 24 فيفري الماضي، لكنه ألغي على إثر محضر في اللجنة العليا للتصالح ما بين أطراف ادارية ونقابية حول جملة من النقاط»... يقول الكاتب العام للفرع الجامعي للبريد والاتصالات ببنعروس. ليوضّح في ما بعد بأن النقاط المتحدّث عنها، كانت تتضمّن نقاطا ايجابية رغم عديد الهنّات والسلبيات في جملة من النقاط الأخرى، إلا أن النقاط الايجابية جعلتهم يتراجعون عن الاعتصام كما جاء على لسان السيد بلقاسم. مطالب غير مادية كل من التقيناهم خلال اعتصام موظفي وأعوان البريد التونسي أمام ديوانهم، أجمعوا على أن مطالبهم ليست مادية أو بمعنى أوضح لا يطالبون بزيادة في الأجور، ولا هم يطالبون بترقيات، هي مطالب كما يقول عنها السيد «بلقاسم» راجعة بالنظر الى ترتيبات في مؤسسة البريد. كنت صحبة زميلي هشام (المصور الصحفي)، لمّا وصلنا أمام مقرّ الديوان الوطني للبريد، هناك لاحظنا منذ الوهلة الاولى مجموعة متكوّنة من أربعة أفراد، يتحادثون عن الفساد الحاصل في مؤسسة البريد التونسي، ذلك ما علمناه لما سألت السيد صلاح الدين المطوي (مؤظف بالبريد) حين كان يقرأ وثيقة عنونت ب «التفاصيل الأليمة لاستسهال صرف الاموال البريدية لفائدة التجمّع والطرابلسية». «من أنتم؟!» كان سؤال السيد «صلاح الدين» إلينا، قبل ان يوضّح لنا مضمون الوثيقة، الموجودة لدى أغلب المعتصمين هناك... وثيقة قال عنها محدّثنا انها تتضمن التجاوزات التي قام بها الديوان منذ سنة 2009 الى حد الآن. «نحن نطالب بتطهير البريد من رموز الفساد... فالمدير العام للتفقدية العامة قد تنحى لكن مازال هناك آخرون (رفض ذكر الاسماء) وكل من كان ينتمي الى التجمع يجب أن يتنحّوا كذلك...» هكذا قال السيد صلاح الدين المطوي، قبل أن يمسك يدي السيد فيصل الوهيبي، (مستشار مالي بالديوان الوطني للبريد) ويطلب الكلمة. هذه مطالبنا اصطحبنا السيد «فيصل» الى بهو الديوان هناك أمام مكتب الاستقبال لنبتعد عن الضجيج، وليوضّح بدقّة المطالب الأساسية لاعتصامهم، فيقول «أوّل سبب لهذا الاعتصام، هو المماطلة في تنفيذ بنود الاتفاقية، التي تنصّ على ادماج أعوان المناولة (الحراسة والتنظيف)، والذين لهم دور كبير، في صلب الديوان». ثاني مطلب كما جاء على لسان محدّثنا «فيصل»، هو ايقاف العمل بالمناولة في عملية الترحيل والتجميع والتوزيع. أما المطلب الثالث فهو الاولوية في الانتداب لأبناء البريديين حسب مقاييس موضوعية وعادلة تضبط في شكل جدول يتضمّن الشهادة والكفاءة والوضع الاجتماعي للعائلة. كان فيصل، يحدّثنا وكلّه ثقة في النفس، بل كان يبدو وكأنه يحفظ عن ظهر قلب كل ما قاله عن الاعتصام ومطالب زملائه، حتى أنه أحيانا لا يأبه لمن حوله مواصلا حديثه عن هذه المطالب، فيقول: «يجب فتح ملفات الفساد المالي والاداري المتسبّبة في اهدار أموال الديوان وابرام صفقات مشبوهة مع شركات مناولة». وأضاف مستشهدا في هذا السياق: «ثمّة صرف قسط من أموال الديوان لفائدة مؤسسات تابعة لأقارب عائلة الرئيس المخلوع». من جهة أخرى أوضح محدّثنا أنه يجب «تلبية مطالب البلديين التي تم التغافل عنها من طرف الجامعة العامة للبريد والاتصالات بعد تواطئها مع الادارة العامة للبريد». اعتصام مفتوح الى حين «نحن قمنا باختيار فريق للتفاوض مع ممثلي الادارة ويتكوّن هذا الفريق من كتّاب عامين للنقابات الاساسية للبريد بتونس وأريانة وبنعروس والقيروان، لكن الى حدّ هذه اللحظة تحاول الادارة تهميش المطالب وغض الطرف على تنفيذها، والمماطلة في الآجال وذلك بالتنسيق مع الجامعة العامة للبريد التي طالب المعتصمون بالتخلي عنها والاستجابة لمطالب البريديين من خلال بيان الاعتصام». بهذا التصريح واصل السيد فيصل الوهيبي مدينة عن الاعتصام والتجاوزات... اعتصام قال عنه إنه اضطراري، وليس فيه تنازلات تحقيقا لأهداف الثورة وحفاظا على مبادئها. إذن الاعتصام سيظل مفتوحا، ما دامت مطالب البريديين المعتصمين لم تتحقق بعد كما أكّد أغلبهم في تصريحات خاطفة ل«الشروق» على غرار السيدة نجوى العيدودي التي قالت: «اعتصامنا مفتوح حتى تتحقق مطالبنا ويجب محاسبة من تسبب في الفساد الاداري والمالي، ونحن نؤكد أننا لا نطالب بامتيازات مالية..». كلام تكرّر على لسان أكثر من معتصم أمام مقر الديوان الوطني للبريد، لكن المطلب الذي يخدم مصلحة البريديين استحضره السيد فيصل الوهيبي قبل مغادرتنا الاعتصام بلحظات حين قال: «نسيت أن أضيف مطلبنا المتمثل في اضافة يوم السبت، كيوم عطلة للبريديين، على غرار المؤسسات البنكية واتصالات تونس». «.. لكن ماذا عن الحريف؟!» «لكن ماذا عن الحريف؟!» سألنا فيصل الوهيبي، وبمجرد أن أكملنا السؤال حتى دخل في الاجابة بكل ثقة وهدوء. ليقول: «طبعا، في العادة تؤمن المؤسسة البريدية الخدمة للمواطن، تقريبا طيلة 24 ساعة في اليوم وعلى كامل أيام الأسبوع، إلا أنه مع تعنّت الادارة العامة وعدم استجابتها لمطالب وشواغل البريديين، كنا مجبرين على الاعتصام دون أي تنازل.. إلا أننا واعون ومتأكدون من تفهم الحريف لوضعية «البريديين» ولما لاحظ محدثي أنني لم أقتنع بالاجابة لأنها ابتعدت عن السؤال، أضاف: «نحن عازمون على العمل في الحين، اذا التزمت الادارة بتحقيق المطالب المدوّنة صلب بيان الاعتصام، وأؤكد أنه في صورة توصل الادارة العامة الى حلّ جدّي يرضي الجميع، فإنني سأكون أول من يفتح مكتب البريد للحرفاء». عموما الاعتصام مازال مفتوحا، ما دامت الادارة العامة للبريد لم تستجب الى مطالب أعوانها وموظفيها، فهل يتطلب هذا الأمر تدخل الحكومة الانتقالية ما دام الرئيس المدير العام، متردّدا في أخذ قراراته كما قال البعض؟!