ما انفكَّ الطبيب الشاعر المترجم الدكتور صلاح محاميد المقيم في إيطاليا يدعوني الى المشاركة في الأمسيات الشعرية واللقاءات الثقافية التي تقام في كثير من النوادي الأدبية بإيطاليا، ولكنني لم أنشط للاستجابة لطلبه إلا في الأسبوع الماضي، فسعيت الى أخذ التأشيرة التي كان الحصول عليها يحتاج إلى المبررات مثل الدعوة من جهة موثوق بها في تلك النوادي، وبعدما كدنا نيأس من الحصول عليها مُنحت لنا في استقبال لطيف سريع، ولولا الجهد الذي قام به منسق تلك اللقاءات الدكتور الشاعر مع ثلاثة من النوادي الأدبية في جهات متنائية من ذلك القطر الأوروبي، لما تم من ذلك النشاط المكثف شيء. أولا: أقامت (إحدى المكتبات الكبيرة) في مدينة «بادوفا» لقاء شعريا قام فيه بالتقديم «أليسّاندرو كابيانكا» Alessandro Cabianca حضره نخبة من الشاعرات والشعراء والمثقفات والمثقفين الإيطاليين والإيطاليات والضيوف والضيفات من فلسطين وإسبانيا وتونس، واستمع الحاضرون إلى كثير من الشعر باللغة الإيطاية، وباللغة الإسبانية وباللغة العربية التي كان نصيب ضيف تونس ورفيقه الفلسطيني بارزا في هذه الجلسة الشعرية الأولى. ثانيا: كانت الجلسة الثانية في (متحف ضخم) دعا إليها المشرفون عليه وحضرها مجموعة من المثقين الذين استمعوا فيها إلى شعر كاتب هذه السطور وإلى مترجم شعره الدكتور صلاح إلى لغة دانتي، الذي تحدث عما قمنا به معا من ترجمة مشتركة نثرية وشعرية لملحمة «جان دارك» للشاعرة الإيطالية الكبيرة «ماريا لويزاسباستياني» MARIA LUISA SPAZIANI الذي أجرى حوارا هاتفيا مباشرا أمام الحاضرين معها، وبالمناسبة استمع الحاضرون إلى حديث هاتفي مباشر تحدثت فيه مع تلك الشاعرة عن الصلة بين العرب والغرب وتونس وقرطاج بصفة خاصة، وعن ملحمتها المذكورة. ثالثا: اختتم هذا النشاط الشعري والثقافي المكثف في إيطاليا، بمدينة تقع قرب فينيسيا، فقد نظم النادي الثقافي بها سهرة ثقافية طريفة قدّم في بدايتها الشاعر الإيطالي الكبير جينو باستيغا GINO PASTEGA كاتبَ هذه السطور تقديما عرّف فيه بحياته الأدبية وبآثاره من خلال ما قام به صلاح محاميد من ترجمة لشخصه ومن ترجمة لشعره الذي رأى فيه نفحات أندلسية عريقة، وبعد ذلك قدمه وقدم آثاره الأدبية في اللغتين الإيطالية والعربية. وقد تراوح ذلك اللقاء بين القراءات الشعرية المتنوعة، والتعريف بآثار الضيفين الشعرية والنثرية وبين الأجوبة على أسئلة الحاضرين في مختلف المجالات الثقافية، وقد كان بين الحاضرين واحد يعرف تونس معرفة كبيرة تحدث عنها أمام الحاضرين بحب وإعجاب. وقد تعجبوا من أن مكتبتي تحتوي على بعض الكتب لأدباء إيطاليين من أبرزها كتاب الكوميديا الإلهية للشاعر الإيطالي الأكبر دانتي الليجيري بأقسامه الثلاثة: الجحيم والمطهر والفردوس، وأنه يوجد في تونس مسرح أثري كبير يشبه في شكله (مسرح الكوليسيّو) في روما، إلى جانب مسارح عريقة أخرى، وأن تونس تملك من الفسيفساء ثروة كبيرة جدا، ولها آثار رومانية لا تحصى ولا تعد. وأرجو أن أعود إلى هذه الأجواء الثقافية العربية الإيطالية في حديث لاحق.