يرتسمُ المشهد السياسي الوطني بالكثير من المُغالطات والحسابات المتداخلة والمهزوزة، وتصرّ العديد من الأطراف على أن يتدافع التنافس السياسي والحزبي إلى صراعات جانبيّة الكثير منها يُجانب حاجيات الواقع ويُهدّد إن بشكل أو بآخر بلوغ الثورة أهدافها المأمولة في تحقيق العدالة والمساواة والتعدديّة الفعليّة والقطع مع إرث الاستثراء الفاحش والتلاعب بخيرات البلاد والتضييق على الحريات العامة والفرديّة. تذهب إرادات بعض الأطراف السياسيّة إلى تنفيذ أجندات فيها الكثير من التهويل والفزع، أجندات لا تستخدم العقل بل تؤجّج المشاعر والعواطف وتدفع أكثر ما تدفع إلى قراءة نوايا الناس وخاصة المخالفين لوجهتهم السياسيّة والعقائديّة والإيديولوجيّة. إنّ نصب محاكم للتفتيش في نوايا الناس والمخالفين على سطح حياة سياسيّة انتقاليّة أمر مُفزع يُذكّر أكثر ما يُذكّر بممارسات التخويف والتخوين التي عرفتها بلادنا على مدار عقود طويلة ماضية. ومن المؤسف أن تنساق بعض النخب والبعض من المثقفين وحتى بعض وسائل الإعلام إلى هذا السلوك الممتزج برائحة الإقصاء والاستثناء والتهميش وربّما حتّى الاستئصال والاجتثاث مرّة واحدة. إنّه تعاط خطير مع ما ترومه ثورة الشعب والشباب من عدالة وإنصاف للمظلومين وكشف للحقائق،كشف للحقائق كما هي بلا مساحيق أو إسقاطات أو قراءات مرتجلة سواء أكانت بالانتقاء أم التوجيه المتعمّد أم المغالطة والزيف. إنّ منطق الفزّاعات وإلهاب نيران الكراهيّة بين أبناء الشعب وجهاته وفئاته وتياراته السياسيّة والفكريّة منطق مأسوف عليه ولن يُحقّق غاياته في الارتداد عن مسار السعي الى تحقيق العدالة وتنفيذ برامج الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي الّتي يُنادي بها كلّ الشعب. إنّ الوعي الّذي يمتلكهُ الشعب اليوم، وخاصّة الشباب منهُ، لن يُمكّن أصحاب مثل تلك المحاكم التفتيشيّة من نشر طروحاتهم المسمومة في جسد هذا الوطن. كفانا فزّاعات، وكفى الناس محاكم التفتيش المُريبة وأحاديث التشهير والافتراءات والمغالطات والأجندات الحزبيّة والسياسيّة الفئويّة والضيّقة، إذ لا يُمكن لأحد اليوم ومهما كان موقعهُ أن يُصادر حقّ الشعب في معرفة كلّ المشاريع والبرامج والبدائل مهما اختلفت وتباينت وتعدّدت بشكل جليّ وواضح وحرّ دون مساعي التوجيه وقلب الحقائق وقراءة النوايا والتشكيك فيها أو سلوكات الإغراء أو التنفير الفجّة والممجوجة، ولا أن تُصادر إرادته في الاختيار الشفّاف والنزيه دون اثباتات ودون براهين أو أحكام قضائيّة عادلة لا يُمكن أن نُصادر نوايا الناس أو أن يحكم عليهم هذا الخصم أو ذاك بالانتفاء والإقصاء أو التهميش، فالفرد بريء إلى أن تثبُت إدانته لا العكس. تونس للجميع على قاعدة الحقيقة والعدل والإنصاف والأخذ بالإثم والإدانة لكلّ مذنب محجوج وصاحب إدانة قاطعة. دون ذلك هناك صناديق للاقتراع ستُفرزُ حجم الخارطة السياسيّة والحزبيّة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.