عاش يتمنى في عنبة ٭ مات جابولو عنقود هل أن الكتابة حرفة ومورد رزق بن بريك؟ بالطبع لا! فبضاعته الأدبية لا تروج في السوق التي أنتج لها. القارئ التونسي لا يعرف بن بريك شاعرا وكاتبا. ألم يخاطبه في ما مضى: «ماذا في رسمك؟ صورة راوي النوادر؟ تشير علي بالموهبة وتمحو عنّي حذق الحرفي. أراك لا تعني مشقّتي». ويقول بن بريك الشقي: «... والقلّة التي اطلعت على مؤلفاته، عادة ما تقتني ذلك مجانا».. بئس شعب لا يشتري الكتاب. من قاطع رزق بن بريك؟ عندما غامرت دار الصبّار للنشر بطبع نصّه الأدبي «الآن أصغ إليّ»، سرعان ما قبض على أنفاسه بوليس الفكر. ومنذ 8 أفريل 2000 يقبع الكتاب في زنزانات الداخلية. لماذ منع «الآن أصغ إليّ» من التوزيع؟ في بلد يحكمه ملك البكم والصم والعمى، لا مجال لشاعر أن يخاطب السلطان بما يليق بمقامه: «قرطاج قبر موحش لا جثة فيه بيضة العاقر الأحد عتبة تخطاها الزحام يغدو الغظنفر درب كلكامش الملك الفيلسوف وعوض أن يهب نبات الخلود وهب الدمار...» وحتى لا «يكتفي بن بريك ببقايا مائدة الوزراء والسفراء» ولكي يقتات فتات الخبز من كده، هاجر، لا من البلاد، بل إلى لغة غير لغته، لغة الإفرنج. وعلى امتداد عشر سنوات أثرى ثقافة ولغة منافسة للعربية.. عشر سنوات عن تونس، عن ريفها وقراها ومدنها وفلاحيها وعمالها وفنانيها وبوليسها وسجانيها. وجمع ترحاله «البطوطي» هذا في كتاب «دكتاتورية جدّ لذيذة» الصادر عن دار «لا ديكوفارت». كتاب يروج في كامل أنحاء المعمورة إلا في تونس. لا أثر له سوى في المهجر. في عام 2000 يعيد بن بريك الكرّة ويصدر «ضحكة الحوت» عند أكبر دار نشر فرنسية (سوي).. كتاب يسجل بأسلوب ساخر وقائع دكتاتورية مهزلة ومعارضة مضحكة. «ضحكة الحوت» اشتراه أكثر من 40000 قارئ وترجم إلى العربية على صفحات «الصباح» المغربية. ولكن من اطلع عليه في تونس؟ ثلاثمائة.. أربعمائة قارئ.. على أقصى التقدير..؟ كتاب مقهور. بعد سنة تقريبا من صدور «ضحكة الحوت»، يكتب بن بريك «وقائع الواشي» (دار لا ديكوفارت). كتاب قتال. كتاب اختزل فيه بن بريك ثمرة تصدي المقاومين التونسيين لطغيان الرئيس. كتاب في المنفى. «بن بريك في القصر» عن دار القوس للنشر، وعودة النص إلى الروح. ملحمة لم ينس فيها بن بريك أحدا أو شيئا: العروش، والجبال والوديان والأكل والغناء والنكتة.. قصيدة نهر، كسر فيها بن بريك جدران وسقف البيت وعهر فيها اللغة وعنف، في آن القائد والمنقاد. الشاعر، هنا، صعلوك لا يطيع كبار القوم ويأبى تتبع القوم في خطاهم الثقيلة.. كتاب في السرية لا يقرأ إلا في المرحاض. لا أحد يقرأ لبن بريك. أيكتب للجيل القادم؟ أيكتب ليتسلى؟ يقول بن بريك: «أكتب لأن الكتابة استعجال، لا أستطيع تأجيلها.. كالتغوط والتبول..». ألم يدفع الشاعر أولاد أحمد بأن يكتب رغم... «أكتب أكتب فالخطبة جاهزة.. والقبر» ٭ عبد الرحمان الكوفي