بقلم: الأستاذ وديع بن عيسى (المحامي لدى محكمة التعقيب) لقد فوجيء العالم العربي والاسلامي بالثورة الأم، ثورة تونس المجيدة التي أفلح فيها الشعب التونسي الشجاع في كسر قيد الغل وذلك بأن اسقط النظام السابق، وقد فتحت على إثرها الأفواه وكثرت الأقلام وظهر تهافت المتهافتين، وهم في الغالب من السياسيين القدماء والجدد المتملقين الساعين للركوب على نضالات الشعب التونسي ولم يحدث هذا في تونس فقط بل تعداه الى خارجها، ففرنسا حليفة الديكتاتوريين وأكبر مساند للديكتاتورية في البلدان المستضعفة والمغلوبة على نفسها وعلى رأسها تونس، وقفت أيام الثورة موقف المتفرج مما يحدث ولم يصدر منها موقف حاسم وشجاع الا بعد أن رأت أن الثورة التونسية قضت أمرا كان مقضيا وقد نجحت وفي مرحلة موالية أعلنت فرنسا وقوفها الى جانب التونسيين ودعم مطالبهم وكذلك كان الأمر بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي تربطنا به اتفاقية شراكة نموذجية. ويدخل في إطار هؤلاء المتهافتين كذلك في تونس أو خارجها، مجموعة من المسترزقين وأشباه المثقفين من المحللين والصحافيين والكتاب كل يحاول الحديث عن الثورة ومستقبل تونس على هواه وكل هؤلاء لا ينطلقون في تحليلاتهم ومواقفهم من منطلق علمي محايد، بل من منظور إيديولوجي سياسي ضيق والصحيح أن لاشيء من ذلك صحيح! الصحيح أن الشعب التونسي لم يحركه وازع سياسي، بل إن الخصاصة والبطالة وقمع الحريات هي الوازع الذي ترسخ في المجتمع التونسي منذ عشرين سنة فكانت الثورة التونسية الأم في الدول العربية، المتأتية من قاعدة الشعب والفاقدة لأي تأطير سياسي وهي ترجمان لملحمة أعطى فيها الشعب التونسي لكل الشعوب درسا من دروس التضامن والتعاون والاتحاد ولا يسع المرء إلا أن يقف وقفة إجلال وإكبار تحية لهذا. فالشعب الذي تحول في ظرف وجيز الى أشبه بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، إذ ثار الفقير الى جانب الغني ومتوسط الحال والمثقفين من صحافيين ومحامين وأساتذة جامعيين ودكتاترة ومن هم «أقل ثقافة» وستبقى في التاريخ شاهدة على وحدة واعتصام جميع أطياف الشعب التونسي بمختلف تنوعاته الفكرية والمذهبية والطبقية بعضهم ببعض، فالشعب قرر مصيره بغض النظر عن نتيجة ذلك، لذلك فالمطلوب الكف عن المزايدات الوطنية، فبعد أشهر سيقول الشعب كلمته وسيجني ثمار ثورته وسيستنشق الشعب التونسي لأول مرة بعضا من الحرية التي استطاع اليها سبيلا ويتضح إذن أن محاولة الكثيرين(حتى خارج تونس)، الإسراع الى استغلال دماء التونسيين الذين سقطوا في هذه الثورة، على منابرهم وفي خطبهم خدمة لمصالحهم وسعيا منهم لنيل الزعامة والظهور بمظهر البطولة ونسب ما تحقق لأنفسهم وكسب عواطف الناس لأغراض سياسوية انتخابية محضة هي محاولة استرزاق مفضوحة. فالثورة أضحت أمرا حتميا وحقيقة لا مفر منها إذا استمر مسلسل النهب والتفقير والاستبداد والفساد فعندما يصل الانسان إلى مرحلة اللاعودة من اليأس، فإنه يصبح مستعدا للقيام بكل ما تمليه عليه نفسه، من إحراق للذات، أو تفجيرها (وهو أمر غير مقبول شرعا) وارتكاب الجرائم...لأن الثائر على الوضع في هذه الحالة يصل به اليأس وفقدان الأمل الى حقيقة مفادها أن لاشيء لديه سيخسره، وأن كل ما سيقوم به سينير الطريق للآخرين وهذا ما حدث فعلا مع الراحل البوعزيزي وغيره الذين ألهموا وألهبوا حماس الجماهير في كل المدن التونسية، وبالتالي فإن تلك التحليلات السياسية المصطنعة التي ظهرت والتي ستظهر عبر وسائل الاعلام هي منافقة وكاذبة، وقد ألفنا مثل هذه التحاليل التي لن تغطي الشمس بالغربال، فالكل يعرف منذ عقدين ان الشباب التونسي كان يعيش ولا يزال يعيش على فوهة بركان وأن أوضاع البطالة سيئة للغاية وهي خير دليل على الوضع الحقيقي المزري للمواطن التونسي الذي نلاحظ علامات اليأس والحرمان على وجهه لكن عزة النفس أكبر من ذلك بكثير وهو الوضع الذي حاولت ولا تزال تحاول أن تخفيه التحليلات الاقتصادية المأجورة، وهو الأمر الذي سترتعد له فرائص المسؤولين الذين سينتخبهم الشعب والذين يعلمون ذلك علم اليقين أكثر من غيرهم، لذلك فهم سيصارعون الزمن ليروا الجحيم ثم ليرونها عين اليقين، لذلك لابد من ترسخ في اذهانهم، فكرة أساسية وحل واحد واحد وأوحد وهو السعي حاضرا ومستقبلا نحو توزيع الثروات بشكل عادل بين مختلف أبناء الشعب، وعبر مختلف الجهات دون تهميش وإشراك جميع أبنائه في دوائر صنع القرار دون تمييز أو إقصاء،أما ما دون ذلك من حلول ترقيعية وتحليلات مسخرة وخطب كاذبة للوصول الى المناصب التي لا ولن تدوم بادا ، فلن تزيد الأمور إلا تعقيدا، فبادروا يا صناع القرار الى التغيير، فإن حدثت المعجزة الكبرى وهي توفير الحد الأدنى من سبل العيش لكل مواطن تونسي، فلن يفكر احد بعدها في الثورة، بل لن يكون له وقت لذلك، أما المحاولات الساذجة والتي سعى من خلالها النظام السابق نحو توجيه اهتمام الشعب (خاصة الشباب منه)، صوب اللهو لإبعاده عن همومه(ككرة القدم والغناء والرقص) فهي تجارة بائرة وأسلوب فاشل، فعلى صناع القرار مستقبلا أن يبتعدوا عن الأكاذيب والشعارات الزائفة البراقة وان يبتعد المواطن التونسي عن التمجيد وان يغلق الباب على استغلال المستغلين وتهافت المتاهفتين وتزوير المزورين من المحللين المأجورين، ذلك ان الشعب أصبح واعيا تمام الوعي انه عندما يبلغ صبره حده فسينتفض ثانية بشكل تلقائي وحتمي، ولن يكون في حاجة الى من يملي عليه ذلك، سواء أكان من الزعماء السياسيين بجميع أصنافهم أو غيرهم من المتهافتين، فمن كان يتوقع أن يتحول بائع بسيط الى مفجر ثورة غاضبة أسقطت نظاما متغطرسا وقمعيا ظل جاثما على السلطة ناهبا لثروات الشعب لعقدين من الزمن؟