تونس «الشروق» كتبت فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي: يمرّ اليوم الثاني الذي يلي «مائة يوم من الثورة»... والحقيقة، قلت الآن عبارة مائة يوم من الثورة وليس «على» الثورة، عنوة... فإلى حدود يوم أمس، ملأ المتظاهرون شارع بورقيبة بالعاصمة... في عملية احتجاج على الأداء السياسي الآن... والأداء «المحاسباتي» لأجهزة الحكومة الحالية... لذلك فإني أعتقد أن الثورة لم تحطّ أوزارها بعد، وحتى وإن حاولت «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي» تصوير ذلك، من خلال مشروع المرسوم الذي صدّقت عليه حكومة قائد السبسي ليصدره الرئيس المؤقت... لا يزال الجدل بالفكرة والموقف، متواصلا في تونس.. وعندما نذكر تونس، فإننا نعني في الحقيقة كامل جهات البلاد... لأن الفعل السياسي في تونس ما بعد 14 جانفي 2011 لم يعد عنوانه الفريد والوحيد هو تونس العاصمة، أو كبرى المدن الساحلية أو الداخلية، بل أصبحت كل تونس من بنزرت إلى بن قردان ومن القصرين إلى صفاقس، تتنفس سياسة... ولا ضير في ذلك... فليس أفضل من ممارسة الشعب لحقوقه في التعبير والتجمهر والتنظّم... فهذه ديمقراطية مباشرة، أكد فعلها المعتصمون في القصبة (1) والقصبة (2)، حيث لمس الشعب التونسي، كم كانت صادقة وقابلة للتنفيذ تلك المقولة التي أطلقها المحتجّون بلا خلفية حزبية ضيّقة ولا استحقاق أو أجندة حقوقية أو جمعياتية معيّنة: «الشعب يريد»... عشنا، كما يتذكر الجميع، وكما دوّن التاريخ عن الجميع، أياما عسيرة شابتها الضبابيّة الممزوجة بالحلم... إذ كثيرون هم، المناضلون الذين حلموا بمثل ما وقع وآلت إليه ثورة تونس: سقوط النظام الدكتاتوري... ولئن تمكّنت الجماهير الغاضبة، المعرّضة صدورها العارية الى رصاص اختلطت مصادره في مظاهرات ومسيرات شاملة وكثيرة من تحقيق أحد أكبر أهدافها عبر تنحية بن علي من السلطة، فإنها لم تكن قادرة، بل لا يمكنها فعل ذلك، أي أن تزيح الدكتاتورية... فحركة الشعب التي تتجسّد في «هدير» يجعل البوليس والقنّاص والقابض على بقية الحكم، يتراجع أمامها كموجات بشرية مخيفة لأعداء الثورة، لا تملك آلية إزاحة الدكتاتورية، على اعتبار أن الدكتاتورية منظومة متشابكة... يمكن، بل بالأكيد قد مسّت دواليب الدولة والادارة على الأحزاب والمنظمات المدنية، وحدها قلعها (الدكتاتورية). جاءت ثورة 14 جانفي، انتصارا للكرامة وتهدف في ما تهدف الى تحقيق الاستقلال... الذي لم يتحقق... بدأت الأحزاب تخرج عن صمتها وتقطع عبر طلب التأشيرة من الداخلية مع وضعها السابق... وهو وضع بالمناسبة له وجهات: الأول يعني الأحزاب التي كانت تعمل في السرية وهي عادة أحزاب جماهيرية ولها ايديولوجيا أو فكر أو عقيدة تتبناها وتناضل في صلبها... وهنا يمكن تصنيف أحزاب مثل القوميين والشيوعيين وكل اليسار والتقدّميين وكذلك الاسلاميين على اعتبار أن عمر الأولين يرجع إلى عشرات السنين، فيما ظهر الاسلاميون كتعبير سياسي في المشهد التونسي آخر السبعينات من القرن الماضي... هنا، وعندما بدأ دور الأحزاب والمنظمات، في مواصلة فعاليات الثورة، وقع نوع من الخلط والاختلاط، إن في مستوى المفاهيم أو في مستوى المهام... ففي حين طالبت القصبة (1) والقصبة (2) برحيل حكومة الغنوشي التي اعتبرها المعتصمون الذين جاؤوا من كل أنحاء البلاد، حكومة مواصلة لنظام بن علي... وقد كان المحتجّون يردّدون ويصرّون على قولة «الشعب يريد»... معبّرين عن عدم اقتناعهم بأن تغييرا ما سوف يحدث... ومن هنا، يمكن إدراج الوجه الثاني للأحزاب أو لنقل الصنف الثاني من الأحزاب. وهي تلك التي تمسّكت بحكومة الغنوشي، ورفضت أن تستمع مجرّد الاستماع والمناقشة، لطرح ينادي بمجلس تأسيسي. اعتبارا من هذه الأحزاب وبعض المنظمات، أن البلاد ليست بحاجة الى دستور جديد ولا إلى مجلس تأسيسي، وأن اصلاحات عميقة وجريئة وثورية يمكن أن تُجرى على ماهو موجود، وأن الاكتفاء بما ستقدمه الهيئة أو اللجنة العليا للاصلاح السياسي برئاسة الأستاذ عياض بن عاشور يمكن أن تفي بالحاجة.. وتلبي مطالب الثورة التي بدأ بعض «المنظّرين» الجدد يصفونها بأنها ليست ثورة بالمعنى الوارد في القاموس السياسي، وإنّما يمكن أن تكون انتفاضة تحقق أهدافا للثورة! لم يكن الشعب ليستجيب لكل هذه «المقترحات» وواصل طريقه وهو يتأبط الشعار النداء: «الشعب يريد».. فما كان من يوم الجمعة 25 فيفري إلاّ أن حسم الأمر، عندما شهد مظاهرة ضخمة، هي الأضخم على الاطلاق في ساحة القصبة، ممّا حدا بالغنوشي الى التخلي عن منصبه، وجاءت حكومة الباجي قائد السبسي... الأحزاب، وكانت ثلاثة في الأول، وبقيت في حدود اثنين، هي أحزاب موجودة منذ ما قبل 14 جانفي 2011، لكنها أحزاب مرّت بتجارب مرة وصعبة، مع نظام بن علي... إذ لم تكن تحظى بأيّ دعم ولا مشاركة في السلطة... لكن لمّا أطبقت الثورة خناقها وشدّدته على «نظام بن علي» وفي الربع ساعة الأخير لهذا النظام حدث وأن وقعت معها مشاورات لفائدة النظام من قبل وزيره الأول محمد الغنوشي... ومنها كُشف النقاب عن حكومة انقاذ وطني، تردّ على نظام بن علي وكانوا يظنون أنه رد على البلاد مظاهر العنف الذي تفاقم ضدّ المحتجين والمتظاهرين والمضربين... لكن حزبا واحدا، وعند تشكيل حكومة الغنوشي (1)، تراجع عن الانضمام للحكومة المؤقتة التي تلت الثورة بيّنت الأحداث أنها كانت تقريبا بنفس التركيبة وقد ألبست ثوب حكومة الانقاذ قبل 14 جانفي بساعات...