كثيرة هي الأحزاب والحركات السياسية والمنظمات الحقوقية والانسانية التي كانت تندّد بممارسات النظام البائد المتشدّدة مع المعارضين الذين يخالفونه الرأي والمواقف. كان البعض يقولها سرّا والأقلية جهرا ويتحدثون عن مآسي الحزب الواحد والفكر الواحد ويطالبون بالتعددية الحقيقية وليس التعدّد الرقمي والحسابي. كانوا محقّين وقتها اذ حلموا بمشهد سياسي متعدّد وديمقراطي ودفعوا ثمن ذلك غاليا لتأتي ثورة 14 جانفي لتحقق ما حلموا به وما تطلعوا إليه سنوات. ولم تمض غير ثلاثة أشهر عن الثورة التي وسعت تعددية الأحزاب حتى استفاق الحالمون أن الديمقراطية ليست شعارات ترفع بل ثقافة تكتسب، وأن العقلية التي رسخها النظام السابق لم تسقط بسقوطه، بل انها زادت رسوخا وفشل الجميع في التعايش وقبول الآخر. قبل أيام تعرضت حركة «النهضة» الى عمليات اعتداء ومحاولات إفساد تظاهرات كانت تعتزم القيام بها في المنستير وباجة والحمامات وقليبية.. وفي المقابل نسب الى مناضليها الاعتداء على تيارات سياسية يسارية في مدن عديدة ومنها زغوان. وقبل ذلك تمّ إفساد اجتماعات عديدة في أكثر من مدينة لأحزاب عديدة مثل التجديد والديمقراطي التقدّمي وغيرها.. بل إن أحداث عنف حصلت في مدن جنوبية وأساسا مدنين وقبلي بعد اشاعة حضور أمين عام حزب جديد كان ينتمي الى الحزب الحاكم السابق وتبيّن أنه لم يتحول أصلا. إن ما نتابعه اليوم من اعتداءات أو محاولات اعتداء وحتى من خطابات عدائية في وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية ضد من نخالفهم الرأي أو الايديولوجيا يؤكد اننا مازلنا عاجزين عن تغليب قوة الحجة وراضخين لحجة القوة دون أن يتغير شيء صلب كامل المشهد السياسي الوطني. إن تجدد ظواهر عدم قبول الآخر ورفض الاختلاف يبعث على الخوف خاصة أن البلاد مقبلة على استحقاق انتخابي تعدّدي بعد أقل من ثلاثة شهر قد يعطل أو يعرقل الانتقال الديمقراطي المنشود.