اختارت المجموعة التي أمنتها الحكومة المؤقتة المنبثقة عن ثورة الرابع عشر من شهر جانفي 2011 على اقتراح الخيارات التي يمكن أن تحقق أهداف الثورة اجتثاث حزب التجمع الدستوري الديمقراطي وحرمان إطاراته من الترشح لعضوية المجلس التأسيسي اعتقادا منها انه السبيل الوحيد لتحقيق انتقال ديمقراطي سريع و ناجع من خلال إفراغ الساحة السياسية من الأحزاب الممثلة في البرلمان الذي تم حله والتي لها الحد الأدنى من الشرعية الشعبية و إحلال محلها، بقوة المشروعية المبتورة، قوى جديدة متكونة من شخصيات سياسية وطنية وأحزاب سياسية وهيئات ومنظمات وجمعيات ومكونات المجتمع المدني المعنية بالشأن الوطني في العاصمة والجهات ممن شاركوا في الثورة وساندوها مثلما ورد في المرسوم عدد 6 لسنة 2011 مؤرخ في 18 فيفري 2011 المتعلق بإحداث الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. إن المنتمين للتجمع الدستوري الديمقراطي الممنوعين من الترشح لعضوية المجلس التأسيسي، بمن فيهم من شخصيات وطنية ساندوا الثورة، و من المؤمنين بالمكاسب التاريخية و الكونية للثورة التونسية و الملتزمين بالمساهمة في عملية الانتقال الديمقراطي، هم منخرطون في حزب سياسي وفقا لمقتضيات القانون الأساسي عدد32 لسنة 1988، المؤرخ في 3 ماي 1988، مرجعة الفصل الثامن من الدستور الوحيد للجمهورية التونسية و الذي وقع تعليق العمل به بصدور المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 و المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية أي ما يسمى بالدستور الصغير و الذي تضمن تعذر التطبيق الكامل لأحكام الدستور(أي يمكن تطبيق جزء منه) و لم يتضمن بوضوح عبارة إلغاءه لأنه إن حل بعض المؤسسات الدستورية( مجلس النواب، مجلس المستشارين، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، المجلس الدستوري) ، فهو أبقى على البعض منها(المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات) و تمارس صلاحياتهما طبقا للقوانين و التراتيب الجاري بها العمل والمتعلقة بضبط تنظيمهما وتحديد مشمولات أنظارهما والإجراءات المتبعة لديهما و بالتالي، يمكن اعتمادها عند الحاجة. وينص صراحة قانون الأحزاب الساري المفعول والمرجع الوحيد في الشأن الحزبي على أن الحزب السياسي هو تنظيم سياسي بين مواطنين تونسيين تربطهم بصفة مستمرة ولغير هدف الكسب مبادئ وآراء وأهداف سياسية يجتمعون حولها وينشطون في نطاقها و بالتالي لا يمكن مؤاخذتهم على انخراطهم في هذا الحزب ويعتبر نشاطهم السياسي حق أساسي مشروع لا نزاع فيه. و المعنيون بالإقصاء من الترشح لعضوية المجلس التأسيسي من رؤساء الشعب و هيئات الجامعات و أعضاء اللجنة المركزية فيهم من عانق عظماء الحزب الحر الدستوري و الحزب الاشتراكي الدستوري و أخذوا عليهم المشعل حبا منهم في خدمة الوطن، هم منتخبون من قواعدهم الحزبية مباشرة ، مكنتهم من أرضية شعبية لا ينازعهم فيها أحد و هم يمثلون بصفتهم تلك ناخبيهم وفقا للنظام الداخلي للحزب ويتكلمون باسمهم خاصة في وضع خيارات تترجمها لوائح مؤتمر الحزب، المرجع الوحيد لممارسة المنتخب الصفة التي انتخب لها و بالتالي لا يمكن محاسبتهم عن ذلك ما داموا كأفراد يمارسون نشاطهم في إطار القانون المنظم للأحزاب ولم يخالفوا أحكامه بوضوح. عقاب جماعي يذكرنا بالأسوإ في التاريخ إن المنتمين للتجمع الدستوري الديمقراطي ومنتخبيهم عوقبوا مرة أولى جماعيا بحل حزبهم جراء سلوك رئيسه و يراد معاقبتهم ثانية بالإقصاء من العملية السياسية، فهم لا يتحملون مسؤولية بل يحملون صفة تمثيلية لشريحة من المواطنين و لا يمثلون رئيس الحزب الذي ليس له أي دخل في انتخابهم وهم يحترمون مشاعر التونسيين الذين نادوا بحل هذا الحزب، و هم بدورهم، يرفضون العديد من المسائل والممارسات التي كشفتها الثورة ويستخلصون العبرة منها بكل أمانة خاصة و أن عددا هاما من أعضاء اللجنة المركزية تبرؤوا منذ يوم 18 جانفي 2011 الذي كشف الانحراف السياسي وفساد قيادة التجمع الدستوري الديمقراطي و ضلوع رئيس الحزب في أعمال تضر بمصالح البلاد و اعتذروا للشعب و طالبوا بملاحقته و دعوا إلى عقد اجتماع عاجل للجنة المركزية لرفت كل من أعلن عن الحاقه ضررا لهذا الشعب من انتمائه إلي هذا الحزب ولاتخاذ كل التدابير التي يستوجبها الوضع لكن لن يتسن ذلك إلى حين اتخاذ وزير الداخلية يوم 6 فيفري 2011 قرار في غلق مقرات الحزب وتعليق نشاطه عملا بالفصل 19 من القانون الأساسي عدد32 لسنة 1988، المؤرخ في 3 ماي 1988 دون تمكين التونسيين المنخرطين فيه لقول كلمتهم، و من منطلق الفصلين 2 و 3 رفعت وزارة الداخلية قضية يوم 22 فيفري 2011 لحله بمقتضى هذا القانون الدستوري الذي ترخص بمقتضاه وزارة الداخلية في نفس الفترة لعشرات الأحزاب السياسية الجديدة رغم تعليق العمل بالدستور، وكم تمنينا أن تأخذ هذه المحاكمة مجراها الطبيعي لتنير الرأي العام بكل الحقائق و تحدد مسؤوليات كل من أضر بالبلاد، بعيدة عن المهاترات التي نستمع إليها اليوم ولان ليس الشارع التونسي بل الشعب التونسي هو صاحب السيادة وهو المؤهل قبل غيره لتقرير المصير النهائي للتجمع الدستوري الديمقراطي لأنه يعرف ما على هذا الحزب و ما إليه. تجريم للعمل الحزبي والمهم أنه جاء في الحكم القضائي لحل التجمع الدستوري الديمقراطي أنه لم يتوفر بملف القضية من أدلة و قرائن على إسناد أفعال العنف إلي الحزب المدعي عليه و إن المحكمة لم تعتمد هذا المستند خلافا للبيانات التي قدمها محامي وزارة الداخلية كحجج و التي تقحم التجمعيين في بعض الأحداث، وبالتالي فان حرمان الفصل 15 من المرسوم عدد 35 المؤرخ في 10 ماي 2011 المتعلق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي لصنف من المنتمين لهذا الحزب هو تجريم للعمل الحزبي وعقاب على انتمائهم الشرعي والقانوني لحزب لم يكن لوحده أو لمنخرطيه وحدهم الضلع الأساسي في مساندة نظام سياسي اختار الاستبداد المتدرج ساهمت العديد من الأطراف الملتفة على الثورة والمؤثثة اليوم لكل الفضاءات العمومية والإعلامية في تمكينه من الأرضية الملائمة وإمضاء ميثاق وطني في شكل صك على بياض لم تعلن التخلي عنه إلى حد اليوم، بالإضافة إلي العديد من الكفاءات والنخب لا تنتمي إلى الحزب المنحل وفيها من ينتمي إلى حساسيات حزبية وفكرية وحقوقية و مهنية مختلفة تعود إليها مسؤولية خيار منظومات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية اعتمدت كبرنامج رئاسي في حقبات متتالية لم تجد قواعد و هياكل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي بدا سوى تبنيها بحكم إضفاء التوافق الوطني عليها رغم تناقض البعض منها مع لوائح مؤتمرات الحزب، و من هذا المنطلق، تبقى مسؤولية تبعات الحكم السابق على عاتق عدة أطراف خاصة اليسار الانتهازي دون إفراد حزب التجمع الدستوري الديمقراطي و منخرطيه بذلك.