٭ بقلم: الأستاذ ابراهيم العمري (حقوقي) إن أغلب ما جاء في تصريحات الراجحي جاء ليؤكد حقائق يعرفها الرأي العام خصوصا المتعلقة بالمافيا السياسية والمالية التي تحكم من خلف الستار أو قرار المخلوع حرق البلاد عبر آلة التجمع التي أرهبت ولازالت بقاياها ترهب الشعب في كل لحظة أو عرقلته عن تعيين نزهاء من أبناء الثورة في مناصب إدارية هامة والاصرار على أن تكون التعيينات دائما من صفوف الدساترة مما جعل الشعب يرفض هذه التعيينات ويرد عليها بطرد المعينين مرارا عديدة. وظل الصراع متواصلا بين إرادة الشعب الرافضة للتجمع المنحل وأذياله وإرادة حكومتي الظلّ والعلن التي ترسل صواريخها دون اكتراث بموقف الشعب حتى وصلنا مجددا الى المأزق/ شكّ وريبة ثم احتقان سياسي فتصادم بين اللجنة العليا لتحقيق أهداف الثورة والباجي ومن ورائه المبزع وصولا الى اندلاع المواجهات مجدّدا بين الشعب والحكومة التي صمت اذانها عن سماع صوت الثورة والمصممة مع الاضمار والترصّد على تهميش أهداف الثورة والعودة الى المربع الأول وهو ما حصل فعلا حيث وجد الشعب نفسه في أيام ما قبل 14 جانفي 2011 والالتفاف على مطالبها. إن عودة الشعب الى التظاهر وربما الى الاعتصامات هي نتيجة موضوعية للسياسات المتردّدة والمماطلة والمصرّة على التمكين لبعض الوجوه من صلب النظام البائد بعنوان إرجاع هيبة الادارة وهيبة الأمن. وتعني هذه الرموز قبول الشعب بالتعيينات التي تفرضها الحكومة والانصياع لأوامر المسؤولين الدساترة ثم التمكين لجهاز الأمن ليعيد قبضته مجددا بالشكل القديم والمفروض أن يكون هذا الجهاز محايدا كل الحياد لأنه ليس طرفا في النزاع ولكن أمام تورط البعض من رموزه في قضايا الفساد السياسي والاداري والمالي جعلهم جزءا من المعركة ضد الشعب. وهذا أمر غير منطقي بالمرة. إن الجهاز في المقابل يضم كثيرا من الشرفاء والوطنيين الذين تهمهم مصلحة تونس ولا شيء غيرها. هذا الوضع يحتاج الى معالجة عاجلة وهي عملية تطهير فعلية للعناصر المتنفّذة والماسكة الى حدّ الآن بخيوط المسألة الأمنية والمورطة في الانفلات والتسيّب الأمنيين وفي العلاقات المشبوهة مع وجوه الفساد السياسي والمالي بدليل التسريح القصدي والمنظم في أغلب السجون التونسية للمساجين في إطار خطة حرق تونس وتعكير أمنها وحرمانها من قطف ثمار الثورة الذي أصبح حديث القاصي والداني بأنه مخطط من شبكة مشبوهة تضم عناصر الفساد في الاصلاح والسجون وعناصر من البوليس. أنا أعتقد جازما أن تطهير مؤسسة الأمن من المشبوهين سيساعد كثيرا على المصالحة مع هذا الجهاز كما يساعد الأمن ذاته على استيعاب المقاربة الجديدة التي مفادها أن التعامل مع المواطن يتم على أساس الحرية واحترام حقوق الانسان بالفعل وأن نمط المعاملة القديمة لا يمكن استحضاره مرة أخرى أصلا. وهذا الأمر نفسه يخلق توجّها لدى الشعب أن السلوك القديم والمفهوم القديم لعون الأمن لا بدّ من نزعه وتبني مقاربة الحرية وحقوق الانسان التي تكفل التعايش بين كل مكونات المجتمع بما فيها عناصر الأمن لتكون العلاقة معهم هي تماما شأن العلاقة مع أي موظف آخر في أي وزارة أخرى، فاليقظة كل اليقظة حتى لا تجرّ البلاد الى مستنقع العنف وهي وطن الجميع. هنا الامتحان للجميع من أبناء الثورة وهم: التيارات السياسية المناضلة والجمعيات التي دافعت عن الحريات في سنوات القحط زمن الدكتاتورية البورقيبية وكذلك زمن المخلوع سيئ الذكر وعصابته سليلة المافيا. ملايين الأفراد من الشعب التونسي ومنهم الشباب خصوصا الذين سئموا الظلم والقهر والاستبداد الذين ساهموا بشجاعة نادرة وفاعلية كبيرة في الثورة مما جعلها ثورة شعبية بأتمّ معنى الكلمة. الجيش الوطني المتميّز بموقفه الايجابي من الثورة ورفضه إراقة الدماء وإدخال البلاد في متاهات العنف والمجهول والذي نودّ منه الحفاظ على نقائه والتزامه كل الحياد الذي تحلّى به إبّان التحرّكات الجماهيرية مظاهرات واعتصامات وإضرابات والمؤكد أن ثقة الشعب في هذا الجهاز ستزيد لو يصدر الجيش موقفا صريحا يفنّد فيه الادعاءات ويعلن فيه التزام المؤسسة العسكرية بمدنية الدولة وبديمقراطية العملية السياسية وبعدم التدخل مطلقا في القرار السياسي ليطمئنّ الشعب. لقد تميّز هؤلاء حماة الثورة بوعي كبير ونضج سياسي ومدني محترمان كي نقود السفينة الى برّ الأمان لأن أعداء الثورة قد أصبحوا متنوعين يتربصون بالسفينة ومصلحتهم في إغراقها وفي أضعف الايمان شلّ حركتها مادام كسبهم من الثورة ضعيف، لأن البعض أصبح لا يفكر في مصلحة البلاد وما سيتحقّق للشعب من حرية وديمقراطية ورفاه اقتصادي واجتماعي بحكم التوزيع العادل للثروة وضمان الحريات بلا رجعة إنما يفكر هؤلاء في الكسب الحزبي الضيّق أو المكاسب الفردية وهي اللعنة التي تحلّ بالشعوب إذا ابتليت بمثل بعض النخب المنبتّة والمتمعشين من الأحزاب التي أطردت من الحكم شرّ طردة الذين فقدوا كل امتيازاتهم وأسقط في أيديهم.