إذا نظرنا إلى العلم الليبي الأول الذي كان يرفرف على تلك البلاد قبل استقلالها وبعده، فإننا نجده ينقسم إلى ثلاث قطع: العليا حمراء، والوسطى سوداء (فيها هلال ونجمة باللون الأبيض) والسفلَى خضراء، وقد أخِذت فكرة هذا العلم من بيت شعري مشهور للشاعر العراقي صفي الدين الحِلِّي الذي تَفْصلنا عنه حوالي سبعة قرون، وهذا البيت هو: بيضٌ صنائعنا، سودٌ وقائعنا خضرٌ مرابعنا، حُمْرٌ مواضينا فقد رمزوا بهذه الألوان إلى الصنائع البيض، أي الإحسان، بالهلال الأبيض، وللوقائع السُّود، أي الحروب السوداء على الأعداء، باللون الأسود، وللمرابع الخُضْر، أي الأراضي التي يرعونها، باللون الأخضر، وللمواضي الحمراء، أي سيوف الحمراء من دماء الأعداء، باللون الأحمر. هذه هي ألوان العلم الليبي، ومن هذا البيت الشعري وقع استنباطه. تلك هي قصة تصميم العلم الليبي، لكن هذا العلم قد وقع تعويضه بقطعة قماش خضراء لا شِيَةَ فيها، بحيث لا تكلِّف صانعيها جهدا، ولعل ذلك يعود إلى وجوب انسجامه مع (الكتاب الأخضر) الذي يشتمل على «النظرية العالمية الثالثة» والذي حُوِّلت من أجل ذلك الساحة الكبرى المواجِهة «للسرايا الحمراء» إلى «الساحة الخضراء» وهدمت بضعة عمارات قربها، وأزيل مسجد قديم يقع في طرفها، وأذكر أني كنت قد قرأت على بابه بيتين أو أكثر لشاعر قام بتأريخ بنائه بطريقة حساب الجُمَّل، بالطريقة التي نجدها في البيت الأخير المكتوب في قاعدة صومعة جامع الزيتونة من جهة «سوق العطارين». وأعود إلى التعريف ببيت صفي الدين الحلي المذكور آنفا، فهو من قصيدة طويلة ذات 33 بيتا لذلك الشاعر الذي عرف بغير اسمه الحقيقي فهو «عبد العزيز بن سرايا» ولكنه عُرِف بلقبه ونسبته إلى موطنه الحِلَّة الذي يقع في أواسط العراق الشقيق، مررت به مرتين في الطريق إلى الكوفة وكربلاء فيما أذكر، وقد صار يدعى: صفِيُّ الدين الحِلي قلما يعرفه قراء شعره باسمه الحقيقي، وقد قال هذه القصيدة في صباه يفتخر بقومه وأخذِهم بثأر خاله صفي الدين...حين قُتل بمسجده غدرا، ومطلعها: سَلي الرماحَ العوالي عن معالينا واستشهدي البيض: هل خاب الرجا فينا؟ وسائلي العُرْبَ والأتراك: ما فعلتْ في أرض قبرِ عُبَيْدِ الله أيدينا؟ وهي من القصائد الشهيرة في ميدان الفخر، اختار منها محمد الحبيب 12 بيتا في كتابه (قِطع مختارة من الأدب العربي) الذي كان يدرس في الزيتونة حفظناها في الأربعينيات من القرن الماضي على الطبعة التي طبعت أولا في القاهرة، ولدي نسخة من طبعته العاشرة التي طبعت في تونس سنة 1370ه 1951م انظر صفحات: 65/ 67 ثم قرأنا هذه القصيدة كاملة في (ديوان صفي الدين الحلي) الكامل الذي طبع في القرن الأسبق، ولديّ نسخة من طبعة دار صادر في أواخر القرن السابق «دون تاريخ» ص 20/22 ، حذف منها باب المجون. وبما أن الفائز بجائزة نص (النشيد الرسمي للمملكة الليبية المتحدة) هو أحد أعلام العلم في تونس، لكنه لا يكاد يعرف بين المثقفين بكتابة الشعر، فقد رأيت لزاما علي أن أتحدث عن المسابقة التي أقيمت بين شعراء العالم العربي لكتابة ذلك النشيد الذي لحنه موسيقار مصري كبير، وظل ينشد في الإذاعة الليبية إلى أن أنتهى أمره إثر ثورة الفاتح من سبتمبر 1969. فمن هو الشاعر التونسي الفائز بنص النشيد؟ وما هو نص ذلك النشيد؟.ومن هو الموسيقار المصري الذي لحنه، ذلك ما سنعرفه في لقائنا القادم، فإلى اللقاء.