لا يختلف عاقلان على ضرورة الوصول ببلادنا الى شاطئ الأمان... كما لا يختلف إثنان على أن الوفاق والتوافق الوطنيين هما أفضل جسر يمكن بواسطته تجاوز هذه الفترة المضطربة وتأمين انتقال ديمقراطي سليم وسلس يفضي الى إرساء دولة جديدة تقوم على التعددية وعلى المؤسسات وتؤمن المشاركة والحريات لكل مواطنيها. وإذا كنا جميعا نركب نفس المركب... وسلامتنا ونجاتنا من سلامة ونجاة هذا المركب فإن العقل السليم يقتضي منا جميعا التشبع بقيم وبضرورات العيش المشترك... كما يفترض من الجميع القطع مع كل نوايا ونوازع الاستئثار... لأن الوطن هو وطن الجميع ويتسع للجميع.. وفي هذا الباب، بدأت في الفترة الأخيرة تطفو على الساحة العديد من الافكار والرؤى والمقترحات التي تتقدم بها شخصيات وطنية وهي تمثل مؤشرات مطمئنة على تغلب صوت العقل والحكمة وعلى انتباه شرائح هامة من الطبقة السياسية الى مخاطر التجاذبات الحادة والمناكفات وحتى الجدل العقيم. ولعل مقترح العقد الجمهوري الذي بدأ يشق طريقه يمثل أحد الخيارات العقلانية والجادة التي يمكن الانطلاق منها والبناء عليها لتأمين أوسع جبهةوطنية تنحاز الى اعلاء القيم والثوابت والمبادئ التي تتوافق عليها أغلب العائلات السياسية ويمكن ان تلتف حولها شرائح واسعة من الشعب التونسي. وليدرك الجميع أن العيش المشترك يتطلب من كل واحد التسلح بقدر هام من المرونة وتقديم قدر من التنازلات حتى يلتقي الجميع تحت سقف الوطن. فهذه ثورة فجّرها الشعب واستأمن عليها نخبه السياسية والفكرية... والمطلوب أن يسمو الجميع الى مستوى التضحيات الجسام التي قدّمها الشعب والى مستوى عظمة هذا المنجز بغية ترجمته الى نظام جديد ديمقراطي يقوم على التعددية ويؤمن الحريات ويطلق كل الطاقات المبدعة الخلاقة التي يختزنها شعبنا للنهوض ببلادنا وتأمين مقومات العيش الكريم لكل التونسيين.