قلّما عرفت تونس ملحّنا يحمل مشروعا متكاملا سواء عبر الفكرة أو الشكل... القرفي لامس هذا التوجه في بداياته لكنه لم يواصل مسيرته لاعتبارات خارجة عن نطاقه... ملحنون آخرون حاولوا ان يكونوا «لوبي» ولكن لم يكتب لمسيرتهم النجاح ومن هؤلاء عبد الكريم صحابو الذي جمع حوله مجموعة من الاصوات التي غنت من الحانه التي تميل نحو «التونسة» وحقق صحابو نجاحات كبيرة لكنه لم يواصل المشوار. ومع صحابو كان العيادي ابرز من يحمل مشروعا فنيا سواء مع ذكرى محمد او غيرها. العيادي اطلق اكثر من صوت بداية من ذكرى محمد وامينة فاخت التي اعطاها اغنية الحظ «انت مرادي» او «اطلال تونس» كما يحلو للموسيقيين في تونس ان يسموها... كما أطلق في دنيا الغناء كريم شعيب وأصوات اخرى كثيرة. لكن أجمل ما لحنه كان لذكرى محمد والذي شكل بداية مشروع لملحن يحمل تصوّرا للون غنائي معيّن وقد ظهر جليا في قرطاج ان ذكرى محمد رغم تركيز الاعلام المشرقي كله على ألحانها المصرية والخليجية لم يستطع ان يحجب جمال الحان العيادي التي ظلت صامدة وكأنها تغنى لاول مرة رغم مرور 20 سنة على تلحين بعضها. «وراك... وراك» العيادي قائدا وعازفا وملحنا لمعزوفات أو الحان لاغاني تحمل بصماته. أثبت ان المطرب مهما كبر ومهما سلّطت عليه الاضواء يبقى في النهاية مدينا لمن نحته... هو يعيد هذا المبدأ الذي سار عليه الكبار بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب ومحمد الموجي ومحمد سلطان وغيرهم. مهما كبر اسم المطرب يظلون في كل همسة يهمسون بها! هكذا ظل العيادي وراء ذكرى وأمينة فاخت... العيادي تعامل بكل نديّة مع الشرنوبي الذي عاد الى حجمه تحت قيادة المايسترو الذي لم يهتم لتذمرات هذا او ذاك. الحانه ناطقة باسمه... ومعزوفاته سفيرة له تسبقه حيثما حلّ. حتى أمينة التي تمردت عليه ذات سنة عادت كما يعود العصفور الى عشه لكن من يضمن أن يظل العش قائما بعد هجره؟! للاعادة؟! أغاني العيادي التي اسندها لذكرى لا يجوز بحال ان تندثر لابد ان تروّج وحتى عرض تكريم ذكرى لا يجوز ان يدخل طي النسيان لأن بعض الاعمال خلقت لتُسمع. وهذا العرض لماذا لا يُعرض في بعض العواصم العربية القاهرة / بيروت / الدارالبيضاء / الدوحة /.... حتى تعم الفائدة لأن ذكرى كانت صوتا عربيا من جهة وحتى يطلع الاشقاء العرب على بعض الالحان من تونس وحتى يعروفا ان ذكرى محمد في رصيدها حوالي 30 أغنية حين زارت مصر التي لم تدخلها نكرة... وأكيد أن العيادي مازال في جرابه الكثير ولكن اين هي الاصوات القادرة على ان توصل الحانه؟ الدلال ضرب بقوة وكل صوت يعتقد انه بلغ الكمال وهذا هو الذي أضرّ عبد الرحمان العيادي واضرّ بكل ملحن يحمل مشروعا وبذرة ابداع...