عندما بدأت أكتب الشعر في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، سمعت، بأن المملكة الليبية، التي لم يمض على استقلالها سوى بضعة أعوام، قد أعلنت عن مسابقة بين شعراء العالم العربي لكتابة نشيدها الرسمي، وبلغني أن بعض شعرائنا المعروفين قد شاركوا في هذه المسابقة، وقرأت بعد ذلك أن النشيد الذي كتبه أستاذنا الشيخ البشير العريبي هو الذي فاز بهذه الجائزة، ثم قرأت بعد وقت طويل خبرا قصيرا عن هذا الفوز: (النشيد الليبي يفوز به شاعر تونسي): كانت «المملكة الليبية المتحدة» قد أعلنت عن مسابقة للنشيد الوطني الليبي، وقد سمحت بالاشتراك في تلك المسابقة إلى كل أبناء العروبة. ونحن يسرّنا أن نُعلن أن الفائز في مسابقة هذا النشيد هو صديقنا الأستاذ البشير العريبي المدرس بالزيتونة وأحد أعضاء أسرة «الفكر» البارزين وعضو نادي القلم بتونس, وتلقّى الأستاذ العريبي رسالة من وزارة المعارف الليبية تُعلمه فيها بفوزه وبتحويل المكافأة الرمزية المقررة. وقد تولّى تلحين النشيد الأستاذ محمد عبد الوهاب الموسيقار المصري. ونكتفي اليوم بتسجيل مطلع هذا النشيد، مؤملين أن ننشره كاملا في عدد قادم في مجلة «الفكر» (عن مجلة الفكر جانفي 1956 عدد 4 ص 78) ونشرت بعد الخبر المقطعين 1 - 2 اللذين سنراهما عند نشر النشيد كاملا. وإثر هذا التقديم الذي نشرته تلك المجلة وأشارت إلى ما كنا نتحدث عنه في سنتها الأولى قالت: (واليوم، وقد دخلت العلاقات التونسية – الليبية طورها الجدي الجديد وأبرمت بين البلدين الشقيقين معاهدة الصداقة وحسن الجوار، وحقق الله أمل الشاعر – الذي أكده لنا – في الوحدة التي أراد أن يكون نشيده إحدى لَبِِنَاتِها: يسُرُّ الفكرَ أن يفي بوعده. فينشر هذا النشيد الذي لا يجد فيه عواطف تواقةٍ وحسن جِوارٍ فحسب، بل يلمس فيه عواطف الأخوّة صريحة بالغة الصراحة ويرى فيه برهانا على ما بين القطرين من وحدة شعورية هذا النشيد إحدى نتائجها، ويتخذ منه آية على أن الوحدة بين ليبيا وتونس واقع لا يقبَل النقض. وحقيقة لا تحتمل الشك فيها. «الفكر» العدد 5 من السنة 2 ص 2/5 وهذا هو النص الكامل للنشيد، ونلاحظ أنه مكتوب في مقاطع متوازية، لكننا فضلنا الفصل بين أجزائها بخط مائل تجنبا للإطالة: 1) يا بلادي/ بجهادي وجِلادي/ ادفعي كيدَ الأعادي/ والعوادي/ واسلمي/ اسلمي طول المَدَى/ إننا نحن الفدا / ليبيا... 2) يا بلادي أنت ميراثُ الجدودْ / لا رعَى الله يدًا تمتدُّ لكْ / فاسلَمي، إنَّا - على الدهر الجنود / لا نبالي – إنْ سلمتِ(!) – مَنْ هلكْ / وخُذي مِنّا وثيقاتِ العهود / إننا – يا ليبيا – لن نخذلكْ / لن نعودْ / للقيودْ / قد تحررنا وحرّرْنا الوطنْ / ليبيا / يا بلادي... 3) كلُّ ما في الكون - يا ليبيا – فداكْ / فابغي في ذروة المجد مَداكْ / واحكمي / إنني حامي الحِمَى/ كالجُدودِ القُدما / ليبيا / جَرَّد الأجدادُ عزما مُرْهَفا / يوم ناداهمْ منادٍ للكفاحْ / ثم ساروا يحملون المصحَفَا / باليد اليمنَى، والأخرى السلاحْ / فإذا في الناس دِينٌ وصفَا / وإذا العالَم خيرٌ وصلاحْ / فالخلودْ / للجدودْ / إنهم قد شرَّفوا هذا الوطنْ / ليبيا / يا بلادي... 4) أيها الليبي حيّ العلَما / حيِّ خفّاقاً بأعماق السما / وانعَمِ / في ظِلال العلمِ / «باتحادِ» الكَلِمِ / والوِئامْ / حيِّ «إدريس» سليل الفاتحينْ / إنه في ليبيا رمزُ الجهادْ / حمل الراية فينا باليمينْ / وتَبِعناه لتحرير البلادْ / فانثنى بالمُلكِ والفتح المبينْ / وركَزنا فوق هاماتِ النِّجادْ / راية ً/ حرة ً/ ظللتْ بالعزِّ أرجاء الوطنْ / ليبيا / يا بلادي... 5) أنا ليبيٌّ عريقُ النسبِ / عربيٌّ مسلمُ الدين أبِي / في دمي / شممُ العُرْبِ الأولَى / صرخوا: إلى العُلا / والأمامْ / يا ابن ليبيا يا ابن آساد الشَّرَى/ إننا للمجد، والمجدُ لنا / مذ أسرونا حمد القومُ السُّرَى/ بارك الله لنا استقلالنا / فابتغوا العلياء شأوًا في الورَى/ واستعِدُّوا للوغَى أشبالَنا / للغِلابْ/ يا شبابْ / إنما الدنيا كفاح للوطنْ/ ليبيا / يا بلادي... فافتدي/ يا بلادي بحياتي ودمي/ ورِدي/ موردَ الأحرارِ بين الأممِ/ ليبيا... يا بلادي/ بجهادي وجِلادي/ ادفعي كيدَ الأعادي/ والعوادي/ واسلمي/ اسلمي طول المَدَى/ إننا نحن الفدا/ ليبيا ليبيا... ذلك هو نص النشيد الليبي وتلك ظروف كتابته، وقد ظل يُنشَدُ في وسائل إعلامها إلى أن ألغته الثورة الليبية لاشتماله على اسم الملك إدريس السنوسي، وعوضته بنشيد مصري أذكر أنه كتب وأنشد في الاعتداء الثلاثي على مصر المتمثل في هجوم بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عندما أمّم جمال عبد الناصر قناة السويس صيف سنة 1956 ومطلعه: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر فوق كيد المعتدي والملاحظ أن هذا المعنى كان مناسبا لمصر في الوقت الذي كتب فيه لكنه لم يعد مناسبا لبلاد تعيش تحت راية الحرية والسلام والوئام.