أثار الموقف الذي عبرت عنه العديد من الأطراف حيال رفض مقترح تأجيل الانتخابات إلى يوم 16 أكتوبر القادم العديد من التساؤلات حول حقيقة الإمكانيات المتوفّرة من أجل انجاز الانتخابات في موعدها المحدّد سلفا أي 24 جويلية وانتفاء الأبعاد الحزبيّة الضيّقة من الرؤية حيال مقترح اللجنة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات. «الشروق» ارتأت أن تجلس إلى أحد قيادات حركة النهضة الّتي بدا وكأنّها تقود اليوم الموقف المتمسّك بموعد 24 جويلية على الرغم ممّا فيه من محاذير وتحديات، سواء تلك الّتي أعلنت عنها اللجنة المستقلة للانتخابات أوتلك التي عبّرت عنها بعض الأطياف السياسية وخاصّة اليساريّة منها. الناطق الرسمي لحركة النهضة وعضو مكتبها التنفيذي السيّد نور الدين البحيري تحدّث ل«الشروق» عن رهانات المرحلة ووضّح مواقف حركته حيال مختلف التساؤلات الموجودة حول الحدث المتعلّق بتاريخ انتخابات المجلس التأسيسي. ٭ هناك ما يُشبه الانقسام حيال الموقف من موعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بين متمسّك بموعد 24 جويلية وداع لقبول مقترح الهيئة المستقلّة للانتخابات؟ في الحقيقة، بل من الثابت أنّ أغلب الأحزاب السياسيّة والهيئات والجمعيات الحقوقيّة، ونحن جزء منها، اصطفّت وراء الثورة وأهدافها، ذلك أنّ موعد 24 جويلية ليس مجرّد تاريخ ورقم في الشهر بل هو عنوان المرور للقطع النهائي مع نظام الاستبداد وممارسة الشعب التونسي لحق طالما حُرم منه ألا وهو حقّه في اختيار من يحكمه بكلّ حريّة وفي إطار الشفافيّة التامّة ومن حق الشعب الّذي ضحّى بأرواح أبنائه من أجل الحريّة والكرامة ودفع التضحيات الجسام أن يحقّق إرادته الحرّة وأن يقف ضدّ كلّ محاولات المماطلة وتأبيد الوضع الانتقالي، كما أنّ من حق الشعب الّذي رضي بتأجيل المطالب الفئويّة والحزبيّة وقبل بتفاقم البطالة في البلاد ورضي بالانفلات الأمني وبتردّي الأوضاع الاقتصاديّة وضعف المقدرة الشرائيّة من أجل تونس ومن أجل مستقبله من حقّه أن يحقّق سيادته كاملة ودون المزيد من التأخير خاصة وأنّه قد سبق وتمّ تأجيل موعد الانتخابات من 14 مارس إلى 24 جويلية بدعوى القوّة القاهرة ، ولا يُعقل من ثمّ أن يتمّ التأجيل مرّة أخرى تحت مبررات جديدة، لأنّ مثل هذا التأجيل قد يفتح الباب أمام الفراغ الدستوري وأمام استمرار شلل الاقتصاد ويُضاعف من تفاقم أزمة البطالة وتدهور أوضاع الجهات المحرومة وهو ما يضع أهداف الثورة في خطر. ٭ يرى البعض أنّ تمسّككم بموعد 24 جويلية هو موقف حزبي ينبني على ما يبدو من استعداد لحركتكم ومناضليكم لخوض الغمار الانتخابي؟ موقف التمسّك بموعد 24 جويلية التقينا فيه مع أغلب مكوّنات الساحة السياسيّة والمدنيّة دون تنسيق مسبق بل من ناحية مبدئيّة نظرا لتقديرنا أنّ الأضرار التي يُمكن أن تنجرّ عن التأخير خطيرة جدّا وتهدّد كيان الدولة ووجودها أصلا، كما أنّ خيار إجراء الانتخابات في 24 جويلية كان خيارا توافقيّا بين جميع الأطراف ومنذ فترة، ولولا ذلك التوافق ما تمّ انتخاب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة واللجنة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات وما تمّ تكليفها بانجازها أي الانتخابات في الموعد المذكور، إنّ التمسّك بموعد 24 جويلية لا علاقة له بالأهداف الحزبيّة والانتخابيّة لأنّ التأجيل يُمكّن من الناحية الفئويّة أن يُفيد الجميع بمن فيها حركتنا ،إذ يُمكّننا التأجيل من فرصة أكبر للتعريف ببرامجنا وأهدافنا مثل غيرنا ولكنّنا نعتقد أنّ تونس ودماء الشهداء ومستقبلها أكبر من كلّ الأحزاب وأنّه أي الوطن له الأولويّة على الجميع ولا أدلّ على وجود توافق حول 24 جويلية قبل مقترح التأجيل من اللجنة تراجع بعض الأطراف التي طالما طالبت بالتأجيل عن موقفها ذلك وإعلانها استعدادها للمشاركة في الانتخابات خلال شهر ماي أو جوان (مثل حزب العمال الشيوعي التونسي وحركة الوطنيين الديمقراطيين)، وهو ما يؤكّد عدم جدّية التمسّك بطلب التأجيل بدعوى الحاجة لمزيد الاستعداد وهو استعداد لا ندري متى ينتهي بل هو في الحقيقة فإنّ بناء الأحزاب عملية لا تنتهي أبدا. وما نخشاه هو أن يبقى الشعب التونسي رهينة بين أيدي أقليات اختارت السعي إلى ربح أكثر ما يُمكن من مقاعد في المجلس التأسيسي على حساب مصلحة الشعب وطموحاته. ٭ هناك اتهامات للحكومة المؤقتّة بتعطيل المسار الانتخابي في وقت سابق خاصة في ما يتعلّق بتلكئها في الفصل 15 من القانون الانتخابي والفصل المتعلّق بتمثيلية القضاة في لجنة الانتخابات المستقلّة..وكأنّ الحكومة برغم تأكيدها على موعد 24 جويلية قد دفعت إلى الأمر الواقع؟ نحن في حركتنا نعتقد أنّ ما وصلنا إليه اليوم تتحمّل مسؤوليته أطراف متعدّدة والحكومة بحكم موقعها ومهامها وكذلك الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ذات التركيبة المتنازع حولها وكلّ مكوّنات الساحة السياسيّة تتحمّل جزءا من مسؤوليّة ذلك، ولكن الأهم في نظرنا اليوم وبعد صدور أمر دعوة الناخبين للاقتراع يوم 24 جويلية أن يتجاوز الجميع هذه المسألة وأن نمرّ جميعا إلى العمل بجدّ وعزم كلّ من موقعه من أجل تحقيق أحد أهم أهداف الثورة المباركة، وبما أنّ المستحيل ليس تونسيّا فإنّني على يقين بأنّنا قادرون بحول الله على انجاز انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة في الموعد المعيّن لها، وقد أعلنا من جهتنا استعدادنا للتعامل مع الجميع وتعزيز كلّ الإمكانيات من أجل انجاز الانتخابات في موعدها. ٭ في تصريحاتكم وكأنّكم تتّهمون أطرافا بعينها تقف عباءة سياسية وخلفية حزبية للدفع نحو تأجيل الانتخابات وإطالة فترة المرحلة الانتقاليّة؟ نحن عل يقين بأنّ طلب التأجيل لا علاقة له بالأمور التقنية والفنيّة، بل هو يستبطن خلفيّة سياسيّة، ومع احترامنا وتقديرنا للهيئة المستقلة للانتخابات وأعضائها فإنّنا نعتقد أنّ ما ذهبت إليه في مقترحها والّذي يتطابق صدفة مع اقتراح طالما تمسّك به أحد الأحزاب الناشطة على الساحة إنّما يُضفي ظلالا من الشكّ حول هذا المقترح وأغلب الظنّ عندنا أنّ هناك أياد خفيّة مُستفيدة من الوضع الراهن ومن إطالة الفترة الانتقاليّة، وهي لا تريد إجراء الانتخابات أصلا وذلك للمحافظة على مصالحها الحزبيّة الضيّقة وحمايتها، وهي ما فتئت تبحث عن التعلاّت لتبرير ذلك الموقف، والشعب التونسي وقواه الحيّة تعلم علم اليقين حقيقة هذه الأيادي وارتباطاتها وأهدافها وسعيها المحموم منذ رحيل بن علي إلى تخريب عمليّة الانتقال الديمقراطي والالتفاف على الثورة بكلّ الوسائل الممكنة والمتوفّرة لديهم حتّى لو أدّى الأمر إلى إرباك الوضع الأمني وتهديد أرواح التونسيين والتعدّي على ممتلكاتهم وتوتير الأوضاع في البلاد بافتعال الخصومات والنزاعات ومحاولة المسّ من وحدة المجتمع ومكوّناته وكلّما فشلت خطّة لتحقيق أهدافهم استبدلوها بأخرى وها هم اليوم يدفعون نحو التأجيل ونحو الفراغ وتأبيد المؤقّت. ٭ في حالة تمسّك هيئة الانتخابات بمقترحها وتأكيد عجزها عن انجاز الانتخابات يوم 24 جويلية...كيف ستكون مواقفهم؟ ثمّ ألا تخشون من حالة إرباك جديدة وتدافع داخل الحياة السياسيّة قد يُفضي إلى الأسوإ؟ نحن موقفنا ومنطلقنا وطني، وندعو الأصدقاء أعضاء لجنة الانتخابات وكلّ الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنيّة إلى التعالي عن الصغائر والارتقاء إلى مستوى ما تقتضيه المرحلة من تواضع ورصانة وتضحية ونحن نعوّل على الجميع من أجل أن تجتاز بلادنا هذه المرحلة الصعبة في أقرب الآجال، وننبّه إلى أنّه ليس لأحد أن ينفرد بقرار في ما يتعلّق بتحديد مستقبل البلاد ومصيرها ونتمسّك بخيار التوافق والتشاور لحلّ الإشكاليات القائمة ونجدّد التأكيد على التزامنا باعتبار التوافق الجامع الشامل مصدر االشرعيّة الوحيد لكلّ خيار ولا شرعيّة لأيّ خيار انفرادي أو إقصائي بما يفرض علينا في حالة إصرار البعض على تجاوز الوفاق وتجاهله وفرض الأمر الواقع أو العمل وفق أجندة خاصّة فئويّة أو حزبيّة مراجعة مواقفنا من العمليّة السياسيّة برمّتها وخاصّة من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة واللجنة الوطنية المستقلّة للانتخابات. وأملنا أن يعي الجميع أهميّة التوافق في هذه المرحلة العصيبة وما حققه لبلادنا من مكاسب وخطورة المس منه أو التعدّي عليه تحت أيّ عنوان كان. ونحن نجدّد تأكيدنا لكافة الأطراف ولأبناء الشعب التونسي أنّ حركة النهضة مُنشغلة أكثر بالهمّ الوطني وبتحقيق أهداف الثورة وأنّ حرصها الكبير الآن وغدا هو صيانة الوفاق الوطني ووحدة الشعب والمجتمع وتجسيد تطلّعات الشعب في الحريّة والكرامة والعدالة الاجتماعيّة مثلما عكست ذلك ثورة 14 جانفي وانتخاب مجلس تأسيسي معبّر عن إرادة الشعب ومتعدّد ومتنوّع وحاضن للاختلاف ولكلّ أبناء تونس من مختلف الأطياف والفئات والجهات دون إقصاء ولا استثناء. وفي الختام، نحن نعتقد أنّ من واجبنا وواجب كلّ الأحزاب السياسيّة طمأنة التونسيين على مستقبلهم بالكفّ عن الجدال العقيم والنزاعات الهامشيّة ، كما أنّه من واجبنا طمأنة المستثمرين التونسيين والأجانب بما يُعزّز النقلة لديهم في بلادنا حتى يساهموا في اتخاذ الاقتصاد الوطني ومواجهة مشاكل البطالة وتداعياتها وإعادة الحياة لمختلف القطاعات الاقتصاديّة بما يضمن استدامة مواطن الشغل وتوفير المزيد منها وضمان العيش الكريم لكلّ التونسيين.